قال مستشار مفتي الجمهورية المشرف على مرصد الإفتاء لمقاومة الفكر التكفيري، الدكتور إبراهيم نجم، إن المرصد بدأ تفنيد شبهات الإرهابيين التي يستغلونها لتنفيذ أجندتهم التدميرية، مشيرا إلى أن "الدواعش وغيرهم من التنظيمات الإرهابية تردد على مسامع الشباب مصطلحات ضخمة لتخدير عقولهم". كان ما يسمى ب"المكتب الإعلامي لولاية سيناء" التابع لتنظيم "أنصار بيت المقدس"، نشر مساء أمس الجمعة، مقطع فيديو على موقع "يوتيوب"، تضمن بعض العمليات الإرهابية التي نفذتها عناصر التنظيم ضد قوات الجيش والشرطة في سيناء، وتضمن الفيديو مشهدا للانتحاري أبو حمزة الأنصاري، الذي فجر نفسه في نقطة "كرم القواديس" الأمنية، ومن ثم عرض الفيديو عملية التفجير والهجوم على النقطة وقتل الجنود بها والاستيلاء على الأسلحة الموجودة فيها. وأوضح تقرير صدر عن مرصد الإفتاء، اليوم السبت، أن ما تقوم به الجماعات المتشددة من قبيل الجهاد، الذي شرعه الإسلام بهدف استقرار الأمن وحفظ الحدود والحقوق، ليس إهدار لذلك كله في شرعنة لمبادئ تشوه صورة الدين، مؤكدا أن الجهاد الصحيح الشرعي يكون تحت راية الدولة لصد العدوان وتحرير الأوطان. وتابع "أما إطلاق اسم الجهاد على التكفير وسفك الدماء وقطع الرقاب وترويع الآمنين وتهجير الناس وسبي النساء ونقض العهود والمواثيق، فهذا افتراء مقصود ومتعمد على شرع الله، يحقق التصور الظالم الذي يروجه أعداء الإسلام بأنه دين انتشر بحد السيف، رغم أن الجهاد الذي جاء به النبي محمد هدفه دفع العدوان وحفظ الحقوق والحرمات". أضاف التقرير أن القتال المسلح أحد معاني الجهاد التي لا تحصى، والحل الأخير الذي لا يتم اللجوء إليه سوى بعد استنفاذ كل الطرق الأخرى، موضحا أن الفقهاء قرروا أن القتال في الجهاد استثناء مكروه وليس قاعدة، وأنه بمثابة الضرورة التي تقدر بقدرها ولا يجوز التوسع فيها، وهو ما يفسره قول رسول الله: "لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية". وأشار إلى أن القرآن ذكر سببيين واضحين للجوء إلى القتال هما: الإخراج من الديار وصد العدوان، موضحا أن هناك جملة من الأخطاء المنهجية التي وقعت فيها التنظيمات الإرهابية عند تفسيرها آيات الجهاد وأولها يتمثل في تضييق مفهومه وقصره على القتال، واختزاله في القتل المحض، وتطرفوا درجة جعلتهم يعتبرون الجهاد غاية، والقتال وسيلة، يتم التوصل من خلالها إلى الهداية. وذكر التقرير أن متابعة منهجية كلام التنظيمات الإرهابية عن الجهاد يكشف أنهم لا يملكون أدنى فهم في فقه النتائج والمآلات وليس لديهم معرفة بفقه الموازنة بين المصالح والمفاسد، ولا فقه المقاصد، إضافة إلى الخلل في تحقيق مناط الأحكام، مضيفا أنه لا خلاف على شرعية الجهاد، لكن المشكلة في تحقيق مناطه. وشدد على أن خلل التنظيمات الإرهابية في فهم القواعد الفقهية جعلهم يكفرون المسلمين ويستبيحون دماءهم، اعتقادا أنهم هم -دون بقية أمة الإسلام، يمثلون الدين، فقاموا باستلاب مهام الأئمة، كالبيعة والجهاد والنفير العام، واعتبار أخطائهم هذه معركة مصيرية للأمة، بينما الجهاد حكم شرعي يتم اتخاذ القرار فيه من قبل مؤسسات الدولة المنوطة بذلك، وليس حماسة أو اندفاعا، فتعتريه الأحكام التكليفية الخمسة، فقد يكون واجبا، أو مندوبا، أو حراما، بحسب تقدير شؤونه ومقاصده. وأكد المرصد في تقريره أن الله شرّع الأحكام وشرّع أيضا ما يرفعها، فربما كان الجهاد في صورته صحيحا لكنه باطل في الحقيقة لجريانه على غير محله، ولخروجه عن ضوابط الشرع فيه، وإذا خرج الجهاد عن ضوابط الشرع فيها تحول إلى عدوان وقتل وسفك دماء، وسعي في الأرض بالتدمير.