المال السياسي والعصبية القبلية المنتشرة في أرجاء صعيد مصر, عاملان مهمان ومؤثران فى حسم عدد كبير من مقاعد البرلمان القادم, الأمر الذى أثار المخاوف بين المهتمين بالشأن السياسي المصرى, من عودة الفلول مرة أخرى للبرلمان وإعادة إنتاج فساد جديد, خاصة بعد أن حصل أحمد عزموحد صفوف الفلول كما يحلو للبعض تسميته على اخلاء سبيل فى جميع القضايا المتهم فيها ولم شمل العديد من رجال أعمال الحزب الوطنى, وعقد النية على خوض الانتخابات القادمة بقوة، سواء بنفسه أو عن طريق موالين له، كما أن سيطرة العصبية القبلية على العديد من محافظات صعيد مصر قد تصل بأشخاص غير مؤهلين لتمثيل دوائرهم تحت قبة البرلمان .. هذه الأمور وغيرها نتناولها فى السطور التالية.. أحمد عز موحد صفوف الفلول بعد حصول أحمد عز أمين التنظيم وعضو لجنة السياسات بالحزب الوطنى سابقا على إخلاء سبيل فى قضايا الكسب غير المشروع واحتكار الحديد وغسيل الأموال، ودفع كفالات قدرها 152 مليون جنيه, فاجأ الجميع بمحاولة العودة مرة أخرى إلى العمل السياسى عن طريق تشكيل ائتلاف يجمع من خلاله نواب الحزب الوطنى المنحل ويتولى عز التنسيق بين هؤلاء النواب من خارج البرلمان إذ إنه لم يعلن عن نيته الترشح حتى الآن, إنما هدفه من ذلك توحيد صف الفلول تحت رايته. و يشير المراقبون إلى أن هناك حوالى 300 نائب سابق بمجالس الشعب والشورى والمحليات ممن ينتمون إلى الحزب الوطنى المنحل ينوون خوض الانتخابات البرلمانية القادمة, ينافسون على المقاعد الفردية وعلى القائمة من خلال أحزاب محسوبة على التيار الثورى كالوفد والمحافظين والمؤتمر وغيرهم. ومما يؤكد تحركات عز وأعوانه ممن قامت ضدهم الثورة الرسالة التى أشار إليها الكاتب الصحفى عبد الله السناوى والتى تلقاها عز من الرئاسة ومفادها الصمت أو العقاب, وبالوضع فى الاعتبار أن أعضاء الحزب الوطنى المنحل والذين يعتزمون الترشح فى البرلمان القادم هم أصحاب القدرة التمويلية الأكبر ومنهم من يملك عصبيات قبلية تسانده وتدعمه, يمكن الإشارة وبقوة إلى أن هؤلاء سيحصلون على نسبة لا بأس بها من مقاعد البرلمان المنتظر فهل ينجحون ؟. عاطف مغاورى البرلماني السابق والقيادى بحزب التجمع يرى أنه لا يوجد فرق بين رجال أعمال سينافسون على المقاعد الفردية فى الانتخابات القادمة وبين رجال الحزب الوطنى القديم, فليس المهم المسمى الذى يندرجون تحته لكن المنهج السياسى الذى يعتقدون به. ويشير المغاورى إلى أن السبب فى ذلك هو أنه لم يحدث تغيير فى سياسات الدولة بالرغم من قيام ثورتين, فالسياسات الحاكمة الآن تعبر عن تحالف مصالح قائم منذ أن جاء السادات ومن بعده مبارك مرورا بمرسى ثم السيسى هو نفس التحالف الاجتماعى الطبقى الذى يحكم ويشرع القوانين بما يخدم ما يسمى بالليبرالية الاقتصادية وهى السياسة التى أفقرت البلاد وقزمت من دورها. و يرى عاطف المغاورى أن رجال المال السياسى سواء عز وشلته أو أى كان مسماهما سيحصلون على ما يقارب من 80% من البرلمان القادم وهو ما لا يبشر بخير. حرب شرسة أما وائل خليل الناشط السياسى فيقول إنه فى حال رجوع النظام القديم مرة أخرى فإنه سيواجه حربا شرسة وأنه سيخسر فى النهاية, إلا أن خليل يرى أن السبب فى ذلك هو سياسات وممارسات النظام الحالى التى دفعت مثل هؤلا (أحمد عز ونواب الوطنى المنحل) إلى الخروج من جحورهم مرة أخرى, فحينما نرى ثورة يناير المجيدة تسب علنا على شاشات التليفزيون وبعد خروج عز ومن ثار ضدهم الشعب المصرى من السجن فطبيعي جدا أن يروا فى ذلك مناخا مناسبا للعودة مرة أخرى إلى الساحة السياسية. ويوضح خليل أن هناك محاولة من النظام الحالى لتأميم المجال السياسى وهى نفس سياسات الحزب الوطنى فى السابق وبالتالى ظهرت نفس الأدوات التى استخدمها الوطنى ممثلة فى رجاله سابقا فليس مستغربا, أن الوضع الحالى يفرز واقع ما قبل الثورة. ويشير خليل إلى أن معظم ممثلي النظام الحالى فى الأساس هم رجال الحزب الوطنى المنحل, ويعتقد أن المصالح المشتركة تحكم العلاقة بين النظام الحالى ورجال الوطنى مما يعيد الفلول إلى المشهد مرة أخرى وخصوصا فى ظل ضعف المنافسة من الكيانات السياسية المنظمة والممثلة فى الأحزاب. وعى المواطن فيما استنكرت عصمت الميرغنى مؤسسة ورئيسة الحزب الاجتماعي الحر نية أحمد عز أمين تنظيم الحزب الوطنى والمتهم من قبل القوى الثورية بإفساد الحياة السياسية فى مصر العودة للعمل السياسى مرة أخرى، معتبرة أن مجرد ذكر اسمه يعيدنا إلى ما قبل ثورة يناير والسياسات الضالة والمضللة وقتها. وتعول الميرغنى الكثير من الأمل على وعى المواطن المصرى فى الوقت الحالى فى اختيار ممثليه فى البرلمان القادم وعدم رغبة المصريين فى العودة إلى العصور المظلمة مرة أخرى. و توقعت الميرغني أن يحصل رجال الوطني المنحل على حوالى 15% من مقاعد البرلمان القادم فمازال هناك فقراء فى هذا الوطن يحركهم حرمانهم نحو هؤلاء الذين يستغلون أموالهم للفوز بالسلطة. ناخبون فى دائرة أحمد عز: هو الأنسب لنا بالرغم من الارتفاع الواضح فى وعى المواطن المصرى بعد ثورة يناير والذى أفرز وأنتج ثورة 30 يونيو فيما بعد إلا أنه مازال هناك خلط واضح بين دور ومهام عضو مجلس الشعب وعضو المجلس الشعبى المحلى, ونرى ذلك واضحا عند انتخاب أعضاء البرلمان فنجد أن مقياس المواطن لاختيار المرشح هو خدماته لأبناء الدائرة فيما يتعلق بالمرافق العامة ومشاركته أبناء دائرته فى حضور المناسبات الخاصة لهم, وهى مقاييس لا تتفق والدور الحقيقى المطلوب من النائب البرلمانى وهو رسم سياسات وتشريع قوانين والرقابة على أداء الحكومة مما يصب بالتالى فى خدمة ومصلحة المواطن ... وبالعودة مرة أخرى إلى أحمد عز وبالقياس عليه كمرشح محتمل عن دائرته السابقة بمحافظة المنوفية, يرى محمود مجدى ناخب بدائرة السادات محافظة المنوفية أن فرص نجاح أحمد عز فى الانتخابات البرلمانية القادمة كبيرة جدا فقد وفر لأبناء دائرته فى فتراته السابقة الكثير من الخدمات التى كانوا يعانون للحصول عليها فى مجالات التعليم والصحة والمرافق بكل أشكالها وبالتالى فهو الأنسب لهذه الدائرة. ويشير سليمان السباعى مدرس وأحد الناخبين فى دائرة عز إلى أنه ليس من المؤكد وجود أحمد عز بين المرشحين للبرلمان القادم, ولكن فى حال وجوده فلا يوجد مجال لمنافسيه سينجح وباكتساح, مشيرا إلى أن عز يعرف كيف يعامل أهل دائرته التي لم تعانِ من أية مشاكل خلال فترة وجوده فى البرلمان مثلما نرى حولنا فى كل الدوائر. العصبيات القبلية.. مفتاح الصعيد للكرسى تمثل الانتخابات البرلمانية المقبلة حلقة هامة، فى مرحلة ما بعد الثلاثين من يونيو نظرا لحجم التحديات التى ستقع على كاهل البرلمان المقبل من تشريع للقوانين والرقابة على أداء الحكومة، الأمر الذى يستلزم من كافة الأطراف المعنية العمل على إيجاد برلمان خالٍ من التطرف والمال السياسى، وهو ما يواجه بالعديد من الصعوبات مثل طريقة اختيار الناخبين للمرشحين فى الانتخابات والتى تتم فى الأغلب على أساس القرابة والتعصب لمرشح بعينه حتى ولو لم يكن الأكفأ ويظهر هذا فى فكرة العصبيات القبلية التى هى تقريبا مفتاح الدخول إلى البرلمان فى دوائر مثل الصعيد. وحسب احدي الدارسات لمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية والتي قسمت الصعيد جغرافيا حسب أهم القبائل وقوتها وقدرتها علي التحكم في أبنائها وكانت أهمها قبائل العرب والأشراف والهوارة والعبابدة والجعافرة والهلالية وهذه القبائل والعصبيات تتركز في محافظات الجنوب كمحافظة سوهاج ومحافظة قنا ومدينة الأقصر ومحافظة أسوان ومحافظة البحر الأحمر باعتبارها محافظة جاذبة ومعظم قاطنيها من محافظة قنا وتضم أكبر عدد من القبائل. من جانبه أوضح محمود عبدالله المحامى بالنقض وعضو الأمانة العامة لحزب التجمع أن مصر خلال ال 46 سنة الماضية لم تشهد أى حراك سياسى، الأمر الذى أدى إلى أن أصبح الشعب يعيش فى دائرة من الجمود السياسى، وانكماش للحياة الحزبية، وتدنى درجة الوعى العام لدى المجتمع المصرى . وأضاف أنه بعد ثوره 25 يناير أصبحت السمة السائدة فى الحياة السياسية فى مصر هى العشوائية والانفراد، حيث اشتركت كل مجموعة من الشباب وكونوا حزبا دون وجود رؤية لمستقبل مصر، وحتى الأحزاب التى كانت قائمة قبل الثورة مثل التجمع والوفد لم تكن أحزابا نافذة بين الجماهير حيث لم تجد لنفسها قواعد بين الشعب مما أدى إلى تحولها إلى أحزاب نخبوية موجودة بين الطبقة المثقفة والمهتمة بالعمل العام فقط، وأوضح عبدالله أن هذا ترتب عليه أن العملية الديمقراطية فى مصر مازالت تحكمها العصبيات والقبليات التى تتحكم فى اختيار المرشح بغض النظر عن مدى صلاحيته. وعلى الرغم من اتساع حركة الشباب إلا أنهم يتحركون من دون وعى، وبالتالى فإن الانتخابات البرلمانية القادمة ستشهد انتصارا لرموز الحزب الوطنى وهم من سيقومون بالتصدى للحياة البرلمانية والسياسية فى المرحلة المقبلة، خصوصا أنهم يجمعون بين المال والنفوذ الذى اكتسبوه خلال ال46 سنة الماضية. فمازال هناك من الشخصيات أو التكتلات التى تتعامل مع البرلمان على أنه ميراث تم توريثه لهم. وفى نفس السياق أوضح الدكتور عاشور عبدالجواد أستاذ القانون التجارى بجامعة بنى سويف والقيادى السابق بحزب مصر القوية، أن العصبيات مازالت تتحكم فى اختيار المرشح، ففى الصعيد على سبيل المثال فإن الناس تقوم بالاختيار على أساس ابن القبيلة مهما تدنت كفاءته، وتعتبر ذلك مسألة حياة أو موت، فلا يُشترط الكفاءة فى المرشح، حتى ولو لم تنطبق عليه الشروط المطلوبة فى نائب سيكون مسئولا عن التشريع ومراقبة الحكومة. وأشار إلى أن المال السياسى ما زال لاعبا أساسيا فى الانتخابات، حيث إن الناس تنظر إلى النائب الذى يوفر لها عددا من الاحتياجات الوقتية حتى لو كان الزيت والسكر أو كيلو اللحم، وهو ما يعتبر تزويرا فى إراده الناخبين بشكل صارخ، معتبرا أن ذلك لا يختلف كثيرا عن استغلال عاطفة الناخبين بالشعارات الدينية كما رأينا فى غزوة الصناديق أو انتخبوا الإسلام جميعها صور سلبية وتزييف لإرادة الناخب . . وعن طريقة الاختيار الأصوب للمرشح يقول عبد الجواد إنه ينبغى على كل ناخب ان يختار المرشح الأقدر والأكثر كفاءه على الرقابه على القوانين والتشريع ، و ان يكون لديه القدرة على التعرف على مصالح الناس وترجمتها فى القوانين والتشريعات، ولا شك أن هذا السلوك يحتاج إلى وعى سياسى للمواطن لن يتشكل الا على المدى الطويل , .وطالب عبدالجواد بوضع رقابة شديدة على العملية الانتخابية من منظمات المجتمع المدنى ومنظمات حقوق الإنسان وأجهزة الدولة الرقابية ليس فقط على الصندوق الانتخابى، ولكن أيضا على المال الذى يتم إنفاقه على العملية الانتخابية من لحظة انطلاقها وحتى انتهائها والعمل على ايجاد نوع من التربية السياسية وتنمية الوعى السياسى من قبل كل الأجهزة المعنية مثل الإعلام والمثقفين وأصحاب الرأى. وأكد عبد الجواد أن البرلمان القادم لا يحتاج إلى ابن القبيلة ولا يحتاج إلى من يتم تسميتهم بأصحاب الدين، فقط يحتاج إلى الأشخاص المؤهلين أكثر لمهمة التشريع والرقابة . وعن الدور الذى يجب أن تلعبه التحالفات للتخلص من النزعة القبلية والفردية فى الانتخابات المقبلة، أوضحت الدكتورة كريمة الحفناوى الناشطة السياسية وعضو تحالف العدالة الاجتماعية أن التحالفات حتى الآن بكل أنواعها، تقوم للعمل على تحقيق مصالحها الشخصية فى الوقت الذى يجب فيه أن تعلى مصلحة الوطن . وأوضحت الحفناوى أن البرلمان المقبل سيعمل على تشريع ما تم إنجازه فى الدستور الجديد وما نادت به ثورتا 25 يناير و30 يونيو مثل المواطنة والمساواة والحرية، وهو ما يلقى بمسئولية كبرى على أعضاء مجلس الشعب القادمين فمهمتهم الأساسية هى التشريع والرقابة. وأشارت إلى ضرورة وجود تحالفات تقدم أفكارا مشتركة وتقوم على أسس مشتركة وهو ما لم يتحقق حتى الآن حيث لم توجد تحالفات بشكل نهائى ولم تستقر التحالفات بعد، وهو ما سيتيح لأصحاب المال السياسى والعصبيات والقبليات أن يقوموا بالسيطرة على البرلمان المقبل. واعتبرت أن قانون الانتخابات يخدم أصحاب المال والقبليات حيث حدد 420 مقعدا للفردى و120 مقعدا للقائمة وهو ما يُكرس للمال السياسى وللأكثر قدرة على الحشد، وهو ما يضر بالبرلمان والبلاد .