غم أن قانون تقسيم الدوائر الانتخابية لم يصدر بعد، ولا تزال أمور كثيرة غامضة حول انتخابات البرلمان القادم، إلا أن الاستعدادات بدأت مبكراً، لا سيما على مستوى الأفراد الذين بيتوا النية لخوض الاستحقاق المنتظر. ولم يتوقف الأمر على التحركات الفردية بل إن هناك أحزاباً بدأت التحرك الجماعى بعقد ندوات متعددة بالمحافظات، وأخرى أعطت الضوء الأخضر لمرشحيها المحتملين بتسويق أنفسهم، وتقديم الخدمات المعتادة فى دوائرهم قبل إعلان الترشح رسمياً، تمثلت أغلبها فى مقدمات مثل التهنئة بالأعياد والمناسبات، وحضور الأفراح والجنازات والالتحام مع المواطنين على الأرض فى مشاكلهم وتفاصيل حياتهم اليومية، وهى المقدمات التى بات المواطن يعرفها عن ظهر قلب، ويوقن بأن تلك الأسماء تنوى الترشح طالما بدأت التحركات بهذه الطريقة. المثير أن أعضاء الحزب الوطنى المنحل لم يستسلموا، وبدأت تحركاتهم تظهر بقوة لا سيما فى الصعيد رغم حكم محكمة الأمور المستعجلة بمنعهم من الترشح، إلا أنهم لم ينتظروا نتيجة الطعن على الحكم وبدأت التحركات بشكليها «الفردى والجماعى» انتخابات برلمان 30 يونيو سوف تتحكم فيها أمور متعددة، ربما تكون الفيصل ونقطة الحسم فى أغلب المقاعد، وحتى فيما يتعلق بالقوائم أياً كان نظامها. أوراق متنوعة يراهن عليها المرشحون المستقلون، ومعهم الأحزاب، للوصول إلى قبة البرلمان، ربما تختلف أو تتفق مع اللعب بها، ولكن فى النهاية نستطيع من خلال رصدنا لأجواء ما قبل الانتخابات، وسير الأمور على الأرض أن نقول إنها ستكون عوامل الحسم فى الصراع السياسى العتيق. «اليوم السابع» ترصد على الأرض أجواء انتخابات برلمان 30 يونيو، وتقدم خمسة مفاتيح رئيسية سيستخدمها معظم المرشحين المستقلين والأحزاب للوصول للكرسى الحصين. التوظيف بدأت مبكراً بعض الأحزاب العمل ناحية ملف البطالة للشباب المصرى، وقدمت مبادرات منها ما هى مستقلة، وأخرى بالتنسيق مع وزارة القوى العاملة لعرض شغل وظائف متعددة فى القطاع الخاص لحملة المؤهلات المختلفة. على الخط نفسه تقدمت بعض الوجوه الجديدة من رجال الأعمال لعرض فرص عمل بشركاتهم، ولأن مقدمات نية الترشح قد عرضناها فى أول التقرير، فقد اعتبر المواطنون حملات التوظيف تلك مقدمة لإعلان الشخص ترشيح نفسه لمجلس النواب. أفراد أمن، وسكرتارية، وعمال نظافة، تلك كانت النسبة الكبرى للوظائف المتاحة لأبناء دوائر بعض المحافظات خاصة فى وجه بحرى والقاهرة، وحسب مراقبين فقد تباينت رؤية الشباب لتلك الحملات، حيث اعتبرها البعض مجرد «شو إعلامى» لتسويق المرشح المحتمل لنفسه، وعلى النقيض تسابق آخرون للتقدم لها دون النظر للغرض من الإعلان عنها. مفتاح العلاج والملف الصحى «مرض المصريين».. زاوية مهمة وورقة رابحة اعتادت الأحزاب السياسية اللعب بها لنيل أصوات المواطنين فى الانتخابات، وقديما ظلت جماعة الإخوان المسلمين تلعب فى هذه المنطقة منفردة، فى ظل غياب الدولة عن رعاية أبنائها، وبالفعل اكتسبت بها أرضية واسعة فى الدوائر، وكانت حملاتهم العلاجية وقافلاتهم الطبية بمثابة تقديم «السبت» للمواطن انتظاراً لرد الجميل يوم «أحد» الانتخابات. لم يجد حزب «النور» السلفى أهم وأسهل من ميراث تلك الورقة من إخوانهم فى الجماعة وحزب الحرية والعدالة المحظور للعب بها، وبالفعل بدأت قافلات علاجية للحزب تدخل القرى والنجوع، بل إن الأمر ظهر به تعاون حكومى ورسمى واضح، بعدما استقبل وزير الصحة عادل عدوى وفدا من الحزب برئاسة يونس مخيون قبل أيام - حسب المكتب الإعلامى - للوزارة، وذكر الحزب أن اللقاء كان لبحث ملف الصحة فى مصر. مقابلات عدة - مركزية ولا مركزية - تجرى فى هذا الملف بين مسؤولى حزب النور بالمحافظات، ومسؤولى مديريات الصحة، ويقدم الحزب لبعص الوحدات الصحية الفقيرة أدوية ومستلزمات طبية، وتقدم لهم مديريات الصحة الأطباء المتطوعين فى قافلاتهم الطبية، بل وتستقبل بعض الوحدات المرضى بشكل جماعى فى يوم يحدده الحزب لعلاج مرض بعينه، مثل أمراض «الرمد والحساسية». وحسب رصدنا للعمل فى هذا الملف على الأرض فقد ظهر انفراد الحزب السلفى به فى أغلب المحافظات، دون محاولة المنافسة من أحزاب أو حتى أفراد، وظهر التعاون والتنسيق الحكومى جلياً فى الأمر. التربيطات العائلية والعصبيات القبلية من المفاتيح المهمة التى ما أن اختفت قليلاً بعد ثورة يناير، بفضل المد الثورى حينها، وغياب نواب الحزب الوطنى المنحل، إلا وبدأت تظهر جلياً فى هذه الأيام، لا سيما بمحافظات الصعيد التى اشتهرت بهذه الطريقة منذ ثورة 1952. ربما يكون المصطلح فى حد ذاته صادماً ومتعارضاً مع مسميات الديمقراطية والحرية، ولكنه بات واقعاً على الأرض تم رصده قبل الانتخابات المزمع عقدها نهاية العام الحالى، فقد بدأ حزب النور السلفى أيضاً الذى يعد من أنشط الأحزاب تحركاته فى صعيد مصر، وفى الإسكندرية بالتربيطات العائلية، معتمداً على المد السلفى العائلى فى تلك المناطق، وينافسه فى هذه الزاوية أعضاء الحزب الوطنى المنحل الذين يعولون كثيراً على هذا المفتاح واعتادوا دخول البرلمان فى أغلب مقاعد الصعيد من خلاله. حالة الاستقطابات الحادة فى مصر الآن تغذى كثيراً نجاح مفتاح التربيطات العصبية والقبلية، وتجعل التعويل عليه ناجحاً، واللعب به مضموناً إلى حد كبير، بعدما اختفى تماماً دور الشباب، واستمرت القوى المدنية فى حالة «التوهان» المعتادة، ولم تقدم على الأرض ما يجعلها تناهض تلك الطريقة فى حصد الأصوات. الأموال ربما لم يظهر حتى الآن بشكل كبير على الأرض مفتاح «الفلوس» لدخول البرلمان، ولكن منذ الأزل والأموال تتحكم وتلعب دوراً مهما فى حسم مقاعد انتخابية لصاحبها، ويغذى هذا المفتاح ويدعمه حالة الفقر التى تشمل شريحة كبيرة من أبناء هذا الوطن. «اليوم السابع» رصدت تحركات لرجال أعمال وشخصيات تطرح نفسها لأول مرة بشكل فردى فى تقديم خدمات متنوعة تحتاج كلها لأموال، وفى محافظة القاهرة تعود أبناء بعض الدوائر على تقديم عروض تخفيض على بضائع متعددة مقدمة من رجال أعمال، وفتح كازينوهات أسعار قبيل موعد الانتخابات لجذب راغبى الأسعار المخفضة، ولا يوجد هناك ما يمنع من تعليق اللافتات التى تعلن أن هذا الأوكازيون برعاية هذا الشخص أو ذاك، وقبل أن تنتهى أيام «أوكازيون الأسعار» لابد أن تختتم باحتفالية صغيرة يقدم بها الكثير من الهدايا البسيطة، فى مشهد متكرر، ومسجل باسم أشخاص بعينهم أيام الدعاية وما قبلها. لا يتوقف دور «الأموال» عند هذا الحد، بل إن أيام الانتخابات نفسها تحتاج لأموال طائلة من أجل الحشد للجان، وتأجير المناصرين، الذين يوجهون المواطنين وفى بعض الأحيان البلطجية الذين يعتبرون أيام الانتخابات موسماً مهماً، فضلاً عن الحاجة للأموال فى تأجير السيارات، وسماعات الدى جى، وتوزيع الكتيبات التى تحتوى على ملف إنجازات المرشح، إلى آخر ذلك من أساليب الدعاية يوم الانتخابات. صورة السيسى انتخابات 30 يونيو ستكون مميزة بإضافة مفتاح مهم لدخول البرلمان سيستخدمه كثير من المرشحين، للوصول إلى البرلمان، وهو استغلال صورة الرئيس عبدالفتاح السيسى فى الحصول على أصوات محبيه ومناصريه بالدائرة التى يترشح بها. «اليوم السابع» رصدت استخدام شعبية السيسى واسمه فى كثير من الندوات، والزيارات التى نظمها مستقلون لأبناء دوائرهم فى مناسبات عدة، ومن المتوقع أن يتزايد استغلال هذا المفتاح المهم، بعد الإعلان رسمياً عن موعد الانتخابات، وبدء فترة الدعاية. ورغم أن الاستغلال إلى الآن يتوقف عند استغلال اسم رئيس الجمهورية، إلا أنه - حسب مقربين من بعض المرشحين المحتملين - فقد ينتوى البعض تعليق صورة للسيسى على كل لافتة دعائية، بل وفى أوراق الدعاية الصغيرة. أيام قليلة تفصلنا عن إصدار قانون تقسيم الدوائر - حسب تصريح رئيس الوزراء إبراهيم محلب - ولكن حسم كثير من المقاعد سيكون من خلال المفاتيح الخمسة التى حددتها «اليوم السابع» فى رصدها لأجواء ما قبل بدء الدعاية لانتخابات برلمان 30 يونيو.