ومن الأشياء التى لا يعرفها بعض المتحسرين عن سعيد صالح، أنه يمتلك رصيدًا فنيًا هائلا، يفوق تقريبًا ما قدمه صديقه عادل إمام، يبلغ 500 مسرحية، ونحو 300 فيلم سينمائي، وفقا للناقد طارق الشناوي، الذى قال إن الفارق بينه وبين عادل إمام، أن الأخير امتلك عقلا يفكر ويخطط، وبوصلة تحدد خطواته القادمة، فى حين امتلك صالح مشاعر تهدد وتبدد، ولم تكن لديه أبدا خطوة قادمة. بدأت عثرات صالح الفنية والحياتية منذ إطلاقه الإفيه الشهير، ذا المغزى السياسى المعارض أمى اتجوزت 3 مرات، الأول وكّلنا المش، والتانى علّمنا الغش، والتالت لا بيهش ولا بينش، والذى قيل إنه كان السبب فى تلفيق قضية تعاطى المخدرات الشهيرة له فى 1991، والتى غيّبته معظم فترة التسعينيات عن الأضواء.. امتلك صالح عدّة صفات إنسانية، طغت على صفاته الفنية، والتى ربما كانت مكمّلة لحالة سوء الحظ التى عانى منها، مثل الكرم والسخاء والإيثار، وظهر الإيثار، فى تنازله عن شخصية بهجت الأباصيري، بسهولة، لعادل إمام فى مدرسة المشاغبين، وتنازله المتكرر أيضًا عن أدوار البطولة، لدعم زملائه الفنانين وأصدقائه، بالإضافة لكونه أوّل من دعم الفنان الراحل أحمد زكي، عندما شاهده فى مسرحية القاهرة فى ألف عام، ورشّحه للمخرج سمير خفاجة وعادل إمام، للمشاركة فى مدرسة المشاغبين ثم فى العيال كبرت. ويعد السجن إحدى ضربات الحظ القاضية لسعيد صالح، وأكثرها تأثيرًا وألمًا، والتى بدأت بواقعة الإفيه السياسى الشهير أمى اتجوزت 3 مرات، ليعتاد بعدها على السجن على خلفية قضايا تعاطى المخدرات، إلى نهاية فترة التسعينيات، وهى المرحلة التى كان من المتوقع أن تشهد مراسم توليه الزعامة بدلاً من عادل إمام. أثرت السياسة على حياة سعيد صالح الصحية والفنية، وظهر تأثره البالغ بهموم السياسة والمواطنين والمسرح أيضًا، أدت إلى طغيان ذلك على موهبته وإفيهاته، وكذلك ثروته التى أنفقها على تجاربه الوليدة فى المسرح السياسي. ومن أهم دلائل غياب الالتزام والذكاء الفنى عن موهبته الفريدة، عدم قدرته على رفض العديد من الأدوار التى قدمها فى السينما والمسرح، رغم تفوقه وبراعته فى إنعاش أى عمل فني، ومشاركته فى أكثر من 500 مسرحية و300 عمل سينمائي، إلا أن معظمها ضاع من الذاكرة، وبقيت إفيهاته الشهيرة فى سليقة المصريين اللغوية إلى الآن. إفيهاته أسس سعيد مدرسة كوميدية باسمه، فى إطلاق الإفيهات، وسيطرة الجمل الكوميدية على النص، وكان ذلك بمثابة ثورة فى المسرح الكوميدي، بمسرحيات العيال كبرت ومدرسة المشاغبين، والتى ما زال المصريون لا يستطيعون كتم ضحكاتهم المجلجلة حتى ولو تم عرضها للمرة المليون، خاصة أن لإفيهات سعيد تأثيرًا فريدًا أيضًا على الحياة العامة للمصريين، فقد أصبحت مرجعًا وردودًا جاهزة فى العديد من المواقف الحياتية واليومية، مثل مرسى ابن الزناتى اتهزم يا رجالة، مش هو ده المنطق يا متعلمين يابتوع المدارس، أستك منه فيه، كأكبر دليل على عبقرية وتفرد موهبة الفنان الراحل. رحل صالح، وبقى فنّه ومسرحياته وإفيهاته عالقة فى قلوب وعقول المصريين، ربما ستعيش إلى الأبد، وربما يجد فى عالمه الجديد من يؤنس وحشته، ويحنو عليه، عما كان فيه فى آواخر أيامه، سلام يا سلطان الضحكة الحلوة. من جانبه قال الفنان سعيد طرابيك الذى جمعته بصالح أعمال فنية كثيرة: لقد كان الفنان سعيد صالح أكثر جيله موهبة فنية وصدقا مع النفس، ولقد عرفته قبل أن نلتقى ثانية فى الوسط الفنى حيث جمعتنا الدراسة فى مرحلة الثانوية العامة . وأكد طرابيك أن موهبة صالح ربما جلبت له العديد من مشاعر الغيرة لأصدقائه ومنافسيه قى الوسط الفنى ومشكلته أنه لم يكن يخطط لمستقبله، وكان يعيش لحظته، ولم يكن فى ذهنه التخطيط للغد، وهو أهم أسباب حب الناس له. أما الفنان سامح الصريطي، فقال إن سعيد صالح عانى لفترة وصلت 4 سنوات، حيث أصيب بورم فى المخ، مما دفعه لأخذ كورس إشعاعات، وبدأ يتحسن بعدها نسبيا، ولكنه تدهور مرة أخرى. أما عن سر عدم وجود النجوم فى جنازة الراحل قال الصريطي: فضلنا أن يدفن المرحوم فور وفاته لإكرامه، وعندما حدث تأخير فى إجراءات الدفن، تمت الصلاة عليه فى مسجد المستشفى، وبعدها فى الطريق وقف المرافقون لجثمانه مع صلاة العصر وصلوا عليه مرة ثانية، وعند وصول أهله هناك تمت الصلاة عليه للمرة الثالثة، ولهذا فربنا أكرمه، مشيرا إلى أنه كان يتابعه لحظة بلحظة، وكان بصحبته دائمًا، ويذهب معه لمكة لختام العشر الأواخر من رمضان.