حماية للمستثمر ولا عزاء للمال العام»، كان هذا عنوان الدراسة التى أعدها المركز المصرى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وتناولت قضية التحكيم الدولى الذى أضر بالمصالح المصرية قبل وبعد الثورة، لأنه ينحاز فى أغلب الحالات للمستثمرين الاجانب. وتوضح الدراسة أن السبب الرئيسى لزيادة قضايا التحكيم الدولى هى الاتفاقيات الاستثمارية الثنائية التى عقدتها مصر مع أكثر من 100 دولة حول العالم، وهى الاتفاقيات التى تنص على اللجوء إلى التحكيم الدولى فى حالة الخلاف. واعتبرت الدراسة اتفاقيات الاستثمار الثنائية BIT، وهى اتفاقيات تنظم الاستثمار بين دولتين، هى «الاكثر تكبيلا لقدرة مصر على محاسبة فساد نظام مبارك، وتسبب الانتقاص من قيمة القضاء المصرى وأحكامه ببطلان العديد من العقود الفاسدة». كان أسامة صالح، وزير الاستثمار الحالى، قد صرح بأن مصر لديها اتفاقيات ثنائية مع معظم دول العالم. ووفقا لقواعد التحكيم الدولى فإن المستثمر المصرى يجب أن يحترم القضاء المصرى أما المستثمر الأجنبى فلا يحتاج لأن يمر بالمحكمة المحلية، كما حدث فى قضية سياج، حيث قام رجل الأعمال المصرى الأصل وجيه سياج برفع دعوى ضد الحكومة المصرية امام التحكيم الدولى مستغلا حصوله على الجنسية الإيطالية واستطاع تكبيد الحكومة تعويضا بلغ أكثر من 400 مليون جنيه. وتعدد الدراسة العيوب العديدة للتحكيم الدولى، فمتوسط سنوات التحكيم الدولى تبلغ 3 سنوات و6 أشهر، وهو ما ينفى حجة اللجوء إليها بسبب بطء التقاضى المحلى، وعلى سبيل المثال، استغرقت قضية «سوثيرن باسيفك للعقارات الشرق الاوسط» ضد مصر 7.7 سنوات، هذا بالإضافة لارتفاع تكاليف التقاضى فى التحكيم الدولى حيث دفعت مصر 6 ملايين دولار فى قضية سياج، فى 2009، حتى فى حالة عدم الخسارة فمصر تخسر التكاليف العالية للتقاضى. هذا بالإضافة للتدخل فى السيادة المصرية، فمن الدعاوى المهمة بعد الثورة دعوى شركة فيوليا الفرنسية التى ادعت أن تطبيق الحد الأدنى للأجور فى مصر سيضر باستثماراتها ويمثل خرقا لاتفاقية مصر وفرنسا الثنائية، «على مصر أن تستأذن قبل تعديل سياستها»، وفقا للدراسة. وذكر الانكتاد «مؤتمر الأممالمتحدة للتجارة والتنمية» أن أحكام الاستثمار المرتبطة باتفاقيات التجارة الحرة تعوق قدرة الحكومة فى العمل من أجل شعبها وقال الانكتاد إن هناك طفرة فى حالات التحكيم الدولى فى 2012، وأرجع ذلك إلى زيادة عدد الاتفاقيات الثنائية، وقال تقرير المنظمة إن 68% من الدول المتضررة من التحكيم كانت الدول النامية. وتحتل مصر مرتبة مهمة بين الدول النامية «المتضررة من التحكيم الدولى»، لأن مصر هى ثالث دولة فى العالم التى تتعرض للتقاضى من مستثمرين أجانب، بعد الأرجنتين وفنزويلا، حيث أعلن المركز الدولى لتسوية منازعات الاستثمار أن هناك 22 قضية ضد مصر فى هذا المركز فقط، 11 مستمرة و11 تم الفصل فيها، 2 لصالح مصر و4 لصالح المستثمر الأجنبى، وتم تقسيم المصروفات فى باقى القضايا. وبين عامى 2011 و2013 كانت مصر رابع دولة على العالم ب10 قضايا وفقا لبيانات المركز الدولى. وترى الدراسة أنه على الحكومة المصرية أن تحاول بشكل جيد الخروج من مأزق الاتفاقيات الثنائية والتحكيم الدولى وتذكر عددا من الأمثلة الدولية الناجحة فى التخارج، حيث قامت الأرجنتين باستغلال ثغرات قانونية فى هذه الاتفاقيات للامتناع عن تنفيذ الاحكام، وألغت جنوب أفريقيا اتفاقيتها الثنائية معه بلجيكا بعد خسارتها لقضية مع شركة بلجيكية، واستراليا لم تعد تناقش أحكاما متعلقة بتسوية المنازعات الاستثمارية بين المستثمر الاجنبى والدولة فى اتفاقياتها التجارية مع دول أخرى. ولكن على العكس تقول الدراسة إن الحكومات المصرية بعد الثورة أصرت على اتباع نهج مبارك فى حماية الاستثمار الأجنبى على حساب الدولة، باستثناء حكومة عصام شرف، التى ألغت وزارة الاستثمار، وأعلن على السلمى نائب رئيس الوزراء وقتها إلغاء برنامج الخصخصة وتشكيل لجنة لمراجعة عقود الشركات التى تم التخلص منها، «مبادرات السلمى كانت الأكثر ثورية، بينما الحكومات الأخرى اتفقت على أن الفساد مقبول فى مصر، بهدف تشجيع الاستثمار»، وفقا للدراسة.