لقد أصبحنا نكره الثورة أينما أذهب فى حياتى اليومية لا حديث لكل الناس إلا الثورة وتداعيتها.. الربح والخسارة والماضى والحاضر والمستقبل. الحلاق والبواب والسائق والمثقفون والفنانون وحتى عندما أمارس الرياضة يتكلم الجميع عن الثورة... وعنوان المقالة جملة بدأت أسمعها كثيرا هذه الأيام والمبررات ليست خافية على أحد... البلد فوضى... الحال متعطل... المصانع مغلقة... السياحة مضروبة... عمال اليومية جوعى... الإنتاج فى كل مدن مصر اقترب من الصفر. وهل جاءت الثورة من أجل تجويع البلاد. أم جاءت من أجل المستقبل الأفضل.. ولكل هؤلاء أقول لكل ثورة نتائج على المستويين القريب والبعيد والفوضى الحاصلة الآن هى شىء منطقى وطبيعى فهل بعد البركان تبدو الحياة طبيعية؟!!! إن ما يحدث الآن هو أقل ما يمكن أن يحدث أو حدث فى أعقاب أية ثورة فى التاريخ وأمامنا مثال الثورة الفرنسية والثورة البلشفية فى روسيا.. وكيف سالت أنهار من الدماء قربانا لتلك الثورات ثم من بين قلب هذا الانهيار أو لنقل الفوضى نهضت أمم عظيمة أثرت تاريخ الإنسانية كلها وما فرنسا التى نراها الآن بمكانتها على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والفنية والثقافية إلا نتيجة لتلك الثورة التى قام بها الفرنسيون سنة 1789.. وقد يسألنى سائل: فهل علينا أن ننتظر مائتى عام كى ننعم بنتائج ثورة 25 يناير... بالطبع لا... ولكن الخسائر التى حدثت حتى الآن لا شىء بجانب ثورات أخرى والذين يقولون عن خسائر اقتصادية حدثت فى هذا الشهر عليهم أن ينظروا إلى الكوارث الاقتصادية ونهب مصر المنظم الذى حدث فى السنوات السابقة وأن ترتيب البيت يستدعى بعض التضحيات ولكن على صعيد آخر ولكى تفهم وجهة نظر من يقولون كرهنا الثورة وأنا عن يقين أنهم لم ولن يكرهوها ولكنه توتر أو ضيق خلق من تعطيل الأعمال وقلة الرزق فأى مصرى يعيش هذا الوقت يعلم أن الخير كل الخير فى تلك الثورة لنا ولمستقبل أولادنا وأحفادنا... أقول على صعيد آخر يجب أن ندرك جميعا أن جزءا عظيما من نجاح تلك الثورة يعزى إلى هذا التأييد الشعبى غير المسبوق لكل من نزل إلى ميادين مصر وليس التحرير فقط.. حتى الذى لم ينزل كان قلبه مع الذين نزلوا. أقول أخشى أن يقل هذا التعاطف بمرور الأيام وتوالى حوادث السرقة والبلطجة والقتل والترويع التى قد يكون لها منفذوها ومخططوها الذين يريدون تصدرها للمشهد الآن عنوانا على فشل الثورة وإيهام الشعب بالحنين للماضى المستقر حتى لو كان مستقرا على فساد وطغيان وظلم بلا حدود. الشكوى مما نحن فيه أصبحت عنوانا رئيسيا فى الأحاديث فتعطل مصالح الناس وصعوبة الحصول على لقمه العيش وازدحام المواصلات... ومشادت الآباء مع أبنائهم لضيق ذات اليد وعدم قدرتهم على شراء مستلزمات الدراسة هو من صميم السياسة، لذلك فإنى أتمنى وأرجو أن نعطى تلك الحكومة المؤقتة.. وأقول المؤقتة بحسب تأييدات المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى أعلن أن تلك الحكومة لن تكون هى المشرفة على الاستفتاء الشعبى على الدستور والمقرر له على الأكثر شهران من الآن. الحكومة تم اختيارها من وجوه ليس عليها خلاف كبير وتمثل أطيافا مختلفة من الاتجاهات السياسية وتحظى ببعض القبول عند الناس.. وأظن أن هذا كان معيارا لاختيار المجلس العسكرى الذى لم ولن يجامل على حساب مصر وشعبها والتجارب أثبتت ذلك حتى الوزراء الذين يعترض عليهم كثيرون وأنا معهم مثل السيد أحمد أبوالغيط مثلا فأعتقد أن بقاءه له أسباب تتعلق بملفات مفتوحة وساخنة وعلاقات دولية لها توازنات ما لا يجب المساس بها الآن على الأقل فلسنا فى احتياج لفتح بؤرة صراع أو مشاكل خارجية. لو تمت الإطاحة بتلك الحكومة سوف يعترض الناس على أية حكومة أخرى جديدة وأيا كان من يتولاها وسوف ندور فى نفس الحلقة المفرغة نحن جميعا مصريون نحب هذا الوطن اختلفنا أو اتفقنا على زيد أو عبيد تعالوا إلى كلمة سواء ولنأخذ وقفة مع النفس وفرصة لالتقاط الأنفاس ولاسيما استراحة محارب فإن فعلوا ما نريد فخير وبركة... وإن لم يفعلوا... فالتحرير أمامنا.