يحذر عدد غير قليل ممن الكتاب، الذين لا اشك في وطنيتهم واخلاصهم رغم ارتباطهم بالنظام وترويجهم لسياساته، من ان البلاد تدخل في حالة فوضى وتخريب ويرون انه لابد من "فرملة الحالة الثورية" حتى يمكن الحفاظ على مقدرات الدولة واعادة البناء على اسس جديدة. وربما يركز هؤلاء اكثر على ما يجري في الوسط الصحفي والاعلامي والفني (اي الثقافي عموما) دون اغفال طبعا لجوانب النشاط العام الاخرى. لكن هؤلاء، ولهم عذرهم وعلينا ان نقبل ونناقش طريقة تفكيرهم، محكومون بتصور فيه فدر كبير من الخلط بين الدولة والنظام. فالدولة لا تعني استمرار كل هياكل العمل والتفكير والتي يسير عليها النظام، اذ ان المسالة ليست مسالة اشخاص وانما منهج غير قابل للتغيير. فلا يمكن تصور ان كل من عملوا لسنوات ضمن مناخ فاسد ومدمر للبلاد ان يوثق بهم في القيام باي تغيير ايجابي. وينطبق ذلك على الحكومة الحالية واقطاب المعارضة التقليدية التي كانت وما زالت جزءا من النظام وفي مقدمتها بالمناسبة الاخوان المسلمين الذين كانوا اهم جزء في النظام رغم كل التضليل الاعلامي والاعتقالات والمحاكمات لهم. من هنا اشعر بتفاؤل شديد بكل تلك الفضائح، ما يسميها كثيرون الاتهامات الجزافية، التي تطال كل ما ارتبط بالنظام واتمنى ان تستمر حتى يتم "كسح" كل تلك البقايا العطنة حتى لا يتلوث ما هو قادم من جديد. وبالتاكيد سيبقى من كان اصيل التوجه ولن يضره الا ان يغتسل من بعض الشوائب تطهرا ليشارك في البناء وربما يجد فيه فرصة اقضل مما كان له مع النظام. وليس افضل من هذا الذي يسمونه الخراب، وان كان كذلك حتى فهو خراب ايجابي، لتتم هذه العملية. من اهم انجازات الثورة انها خلقت روحا جديدة بين المصريين، واقصد هنا ملايين الناس العاديين، لم تات من فراغ واستندت الى وعيهم البسيط بكثر من النفاق والزيف الذي كانت ادوات النظام الاعلامية والفنية تفرضه عليهم. ويعلم الناس ايضا ان هذا التدمير كان سببا في تراجع كل ما هو مصري بما فيه البشر في خارج مصر وغلبة الشامي وحتى الخليجي على الساحة الثقافية العربية. وليس في ذلك تعاليا ولا شوفينية، بل على العكس يحتاج الناتج الثقافي المصري لمنافسة عربية قوية ليثبت جدارته ويطور من نفسه ليستعيد ريادة اصبح الحديث عنها في العقود الاخيرة "مسخرة" مهينة. النظام ما زال كما هو والبلاد تدار بذات الطريقة التي دمرتها على مدى عقود، لكن لا يظن احد ان الناس هدأت برحيل الرئيس عن الحكم، بل على العكس هي تنتظر ان ينتهي النظام وتتسلم هي الدولة. لن يفيد استخدام النظام للاعلام (الرسمي والخاص) للضحك عليهم بنفس طريقة صفوت الشريف في تامين تغييرات شكلية تبقي على كل مقومات الفساد والظلم والقمع القاتلة لاي ابداع والمدمرة للدولة والناهبة لمقدرات البلاد. لكنها فرصة ايضا لتمزيق "الوسخ" الذي غطى الجميع من سنوات القمع والفساد. وليفضح مسؤول لا علاقة له بالاعلام مقدمي برامج اكثر ما هم حريصون عليه ملايين يكنزونها، وليكتشف الناس ان من خدعوا فيهم على انهم مهرة اكفاء موضوعيين محايدين ليسوا الا مجرد مخبرين مثقفين بعض الشئ وليكشف الانتهازيون بعضهم بعضا ليتاكد الناس من ان من كانوا يغشونهم على انهم معارضين اشداء لا يخشون في الحق لومة لائم ليسوا الا ابواقا لحرامية ونصابين من رجال اعمال مشبوهين يطمعون في رضا النظام او يقاتلون منافسيهم في النهب واللصوصية. اهم اصول مصر وابقاها هي ارضها وناسها، وهؤلاء مستفيدون جدا من احتدام تلك الحالة من الخراب الاسجابي، اذ ان ما ترسخ على مدى عقود لا يمكن ان يتغير بالنوايا الحسنة والترقيع في عورات النظام. واذا كان هناك من هو حريص على الدولة فعلا فلابد ان يسهم في هدم هذا النظام اي فضح اليات عمله ومعارضة وجود افراده في اي عمل عام مهما كان كفؤا، لان معايير الكفاءة هي ايضا معايير النظام الفاسد ولا بد من وضع معايير جديدة وببساطة التطهر من وزر العمل في دائرة هذا النظام والتخلص من كل ما يعرف ويخفي تصورا منه ان ذلك حرص منه على الدولة وهو في الواقع يؤمن استمرار النظام الذي دمر الدولة.