«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحزان الأفاعي.. الحزب (1)
نشر في المراقب يوم 28 - 01 - 2012

منذ اليوم الأول له في المدينة لم تخلو أوراقه من هذا السؤال لماذا أنا هنا؟ هنا بالذات؟
بين جدران المبنى العتيق المزدحم بالشباب والمثقفين وكبار السادة السياسيون ومن الحين إلى الآخر تأتي بعض الفتيات والنساء ثم تختفي.
لم تقع عيناه على إحداهما والكل يأتي ويقترب منه مداعب وهو يجلس ويجلس دائماً أسفل الصورة الكبيرة " للزعيم " يرد على المداعبات بالإبتسامة ويتحاور مع الشباب " بنعم " ويستمع للكبار ويعلق " بالضبط " وفي آخر اليوم يعود إلى بيته الصغير قبل أن يبدل ملابسه يجلس على مكتبه ويخرج دفتر يومياته ويكتب كالمعتاد السؤال الدائم لماذا أنا هنا . هنا بالذات ؟
ثم يضع أسفله التاريخ والوقت والمكان ثم يوقع أسفله باسمه بخط عريض " الطاهر جميل محمود " ويغلق دفتره ويبدل ملابسه وينام دون أن يطفئ المصباح .. الطاهر جميل محمود شاب في نهاية العقد الثالث من عمره أسمر الوجه يتمتع بجسد رياضي تميل ملامح وجهه إلى الطفوله متوسط القامه وإن نظرت إلى وجهه وهو مبتسم تشعر ببراءة الأطفال تطفئ على قلبك شئ من السعادة وإن غضب ترى أمامك شيطان لا يريد إلا خراب ولا تنقذك منه كل التعويذات يعشق الصمت وإن كان كثير الحديث مع نفسه يعشق النساء ولكنه لا يحاول الإقتراب من من حوله في العمل لكن في الخارج لا يخلو إسبوعه من ليلة حمراء ...
يتقلب الطاهر على الفراش يميناً ويساراً ويضع الوسادة فوق رأسه ثم يرفعها وينظر في غضب إلى يمينه ويساره وإلى أعلى ثم يتفقد جدران الغرفة حتى ترسو عينيه نحو الباب فيجده مغلق بل محكم الإغلاق فيأخذ أنفاسه ثم يغلق عينيه ويضع الوسادة خلف رأسه ثم إلى أعلاها ويعود ويتقلب فوق الفراش ثم ينهض مفزوع يصرخ ..
إستيقذ من نومه ينظر إلى المرآه وعلى وجهه علامات القلق والغضب الشديد يتحاور مع نفسه . معلق . لما كل هذا ؟ لما لا يتحقق كل ما أريد؟
ثم يحاول بطريقه تمثيلية أن يرسم الإبتسامة عل وجهه قبل أن يغادر منزله الصغير كما تعود . لكن في هذا اليوم لم يستطيع أن يغير ملامح القلق والغضب التي أرتسمت على وجهه . تردد في الخروج بهذا الشكل الذي ترفضه الناس لكن يعود ويقترب من الباب وهو يحاول أن يرضي نفسه وهو يقنعها بصوت مرتفع غاضب . تمهلى ربما يتحقق ذلك اليوم .
أسرع في خطواته حتى لا يسبقه أحد إلى المبنى العتيق ويجلس قبله أسفل صورة " الزعيم " التي لا يأتي أحد إلى المبنى إلا ويقف أمامها لحظات .
دخل المبنى كعادته مبكراً وهو يلتقط أنفاسه وأسرع وجلس أسفل الصورة الكبيرة وهو ما زال حاول أن يرسم الإبتسامة على وجهه لكن كل مرة يفشل ويزداد غضبه وقلقه .
إزدحم المكان بالكبار على غير العادة كل مجموعة تتحاور مع بعضها البعض دون أن يشارك معهم وهو ينظر إليهم بتعجب وخوف حتى وقعت عيناه على أحدهم وهو يجلس منفرد يدخن السيجارة في توتر دون أن يشارك مع أى مجموعه ودون أن يتحاور مع أحدهم أو حتى يلقي التحية عليهم بينما لاحظ الطاهر أن الكل يخشى ذلك الرجل . فجأة نهض هذ الرجل العجوز من مكانه ويلقي السيجارة على الأرض ويدهسها بحذاءه ليلتفت إليه الكل وبطريقة عسكرية إصطفوا بجوار بعضهم البعض وهم ينظرون إليه في صمت وقلق ثم إستدار ودخل إلى أحد القاعات الكبيرة في المبنى فأسرعوا خلفه في صمت . يدعى ذلك الرجل العجوز بإسم أحمد سامي ولكنه يشتهر بين الكل بالأستاذ وهو في نهاية العقد السادس من عمره ويتمتع بالثراء الفاحش .
ومازال " الطاهر " يجلس أسفل الصورة يراقب ما يحدث في صمت وتعجب . مضى وقت طويل وهم مازالوا داخل القاعة الكبيرة وهو مازال أسفل الصورة يراقب بعينيه في صمت . إنفتح الباب وطل الأستاذ برأسه ونظر نحو " الطاهر " وبصوت خشن زعق فيه سائلاً يا طاهر لماذا لم تأتي معنا إلى الداخل .
نهض الطاهر مرتعش وبصوت مبحوح . يا سيدي أنا أنتظر الشباب لكي أتحاور معهم وأنتم السادة ولا يجوز لي أن أجلس مجلسكم دون أن يدعوني أحدكم .
نظر إليه الأستاذ وهو مازال يقف خلف باب القاعة وبصوت أكثر خشونة قال له إذن إمضي من هنا الآن فلن يأتي اليوم أحد من الشباب أو من النساء ولا تعود إلى هنا غداً أو بعد غد إلا أذا جاءك رسول مني إزداد الخوف والتوتر الشديد على وجه " الطاهر " وهو يحني رأسه . نعم يا سيدي سوف أفعل ما أمرت به ولكن لي سؤال .. قاطعه الأستاذ بأسلوب حاد مشيراً له بيده إنتهى وقتك هيا إمضي إلى حالك .
(الفصل الثانى)
امسك بزجاجة النبيذ الحمراء ورفعها بالقرب الى عيناه واعادها الى البائع الذى وضعها فى قرطاس مع اخرى . اخرج ( احمد سامى) حافظة نقوده وانهى الحساب مع البائع ومضى مسرعا نحو سيارته الفاخرة وجلس على عجلة القيادة وادار محرك السيارة ومضى الى الامام . وبالقرب من مقهى الحرية خرج احمد سامى من السيارة واغلق الباب جيدا وامسك بالقرطاس الذى به النبيذ ومضى نحو المقهى . كان حوالى الساعة الحادية عشر ليلا وكانت المقهى مزدحمة وفجاة هللت مجموعة كانت تجلس فى اخر المقهى من الداخل بينما ظهر احمد سامى وهو يرفع يده بالقرطاس يحييهم فازداد صياح الجمع حتى اقترب منهم وصافحهم بينما نهضت (بهيجة اكرم) وهى سيدة فى نهاية العقد الرابع من عمرها تتمتع بقوام ممشوق تميل الى اللون البرونزى لاشئ فيها يلفت عينها التى تنادى بالاثارة . صاحت مهللة فاردة ذراعيها وارتمت فى حضن احمد سامى وهى تقبله . جلس احمد سامى واخرج الزجاجاتان من القرطاس ونادى على عامل المقهى ( سمير) وهو رجل فى نهاية العقد الخامس من عمره يرتدى جلباب بلدى . اقترب سمير من احمد سامى وقال . منور الدنيا يا احمد بك ... اامرنى ... تحب اجيب لحضرتك والبهوات ايه؟ نظر اليه سامى مبتسم واخذ نفس عميق من السيجار ثم قال : انا عن نفسى عايز زجاجة بيرة ساخنة ثم صمت فانتبه الجمع الى سامى ونظروا اليه باستغراب ثم اشار بيده الى سمير وقال نظرا لظروف التى تمر بها البلاد وبعض الازمات التى لايعرفها احد غيرى عن الاصدقاء . هات ليهم ستة مشبرين ومش هوصيك على المزة لانى معايا اتنين حبايبى واشار بيده الى القرطاس . فضحك الجميع وقال احدهما عاش احمد بيه .. عاش احمد بيه عم الضحك وتبادل كاسات النبيذ والبيرة بينما اقتربت بهيجة بالمقعد من احمد سامى ونظرت اليه مبتسمة ثم بصوت حنون همست اليه فى اذنه ويداها تتحرك بين خصلات شعره الابيض وقالت : والله وحشتنى اوى يا احمد بيه . برضه كده لا حس ولا خبر .. ينفع ده .. وبدلال اكثر قالت : حتى اخر مرة يا راجل اتقابلنا كنت ماشى مبسوط على الخر ولا انتا بقالك صحاب غيرنا ياباشا . احمد مقاطع بصوت حنون : هو انا اقدر استغنى عنك يا جميل بس انتا شديد شويا عليا .. وانا حاسس ان العضمتين كبروا وخايف يكسروا على ايدك.. فابتسمت بهيجة وقبلته وبدلال مدت يدها بكاس وقالت : اشرب يا باشا .. فى صحتك .. ده انتا زى الحصان .. بس بينى وبينك كده قولى انتا كنت غايب عنا فين .. احمد : وحياتك فى الشغل .. انتى عارفة ان اللى زيي معندوش وقت .. والبلد مقلوبة ولازم نخلى بالنا . بهيجة : فى مباراة جميلة انا مسجلاها ممكن انهارده نتفرج عليها مع بعض . احمد : يابنت الايه اخذتيها من على لسانى .. ده انا حتى كنت انهارده فى النادى ونفسى العب من زمان بس فى مشكلة نتفرج على اللى بيلعبوا ويمكن بعديها نقدر نلعب انا وانتى ونجيب جون او اتنين . بهيجة : طول عمرك لعيب يا كبير . قاطع خلوتهم احدهم قائلا : هو انت مش ناوى تفك الاسير التانى ده اشتبك الجميع فى الحوار بينما الحوار والضحك يتصاعد صمت احمد سامى وانزل السيجار على فمه ووضع الكاس على المنضدة وثبتت عينا وهو ينظر نحو باب المقهى حيث ظهرت فتاة جميلة ذا قوام رائع بيضاء ترتدى فستان ابيض قصير وتضع على راسها قبعة وكانها اتية من الريف الاسبانى . استمر احمد سامى محدق فى الفتاة وظهر التوتر على وجهه حيث انه شاهد عيون الفتاة وهى نظر اليه مبتسمة . تحركت الفتاة نحو احمد سامى فى دلال وبطء وكانما تتحرك فى حديقة . شعر الجمد بغياب سامى عنهم فنظروا اليه ثم التفتوا فى اتجاه نظره فوقعت عينهم على الفتاة فاصابهم الذهول بينما بهيجة شعرت كانها تجلس منفردة بعد ان تركها الجمع . اقتربت الفتاة اكثر حتى صارت امام احمد سامى وبوجه مشرق مبتسم وصوت يميل الى الدلال مدت يداها وهى تقول : هل لى ان انول الشرف ان اصافح استاذى الكبير / احمد بك سامى . الكل فى حالة ذهول بينما نهض سامى فى صمت دون ان ينظق بكلمة ومد يده يصافح الفتاة وهو يحاول ان يرسم الابتسامة على وجهه . امسكت الفتاة بيد احمد سامى وقالت : اننى اشعر بسعادة كبيرة تجعلنى اتطاير كالعصفور لاننى اتقابل مع استاذى ومعلمى فانا اشد المعجبون بكتابات واراء حضرتك . لم يجد سامى كلمات غير ان يسحب مقعد ويشير بيده اليها وهو يقول تفضلى بالجلوس . جلست واشارت بيديها تلقى التحية على الجمع بينما كانت بهيجة تنظر اليها والى سامى باستغراب اقرب الى الغضب ثم قالت بهيجة : مش تعرفنا على ضيوفك يا احمد بيه . نظر اليها احمد سامى وهو لايدرى ماذا يقول ثم قال وهو يشير بيده نحو الفتاه : الانسة .... ثم صمت فنظرت اليه الفتاة ثم قالت اليه بصوت دافئ حنون ( بسمة نور الدين ) كان لى شرف ان اكون تلاميذ الاستاذ احمد سامى . قاطعها سامى مبتسما وقال انا اكثر الناس سعادة لاننى دائما احتضن كل تلاميذى وعندما اراهم بعد ان يتخرجوا ويقابلونى اشعر ان مجهودى لم يضيع فجاة قاطعته وقالت بصوت حنون : كنت اتمنى الا افارق سوى فى جلسته هذه او طيلة حياتى فانا اعشق كل كلمة تكتبها او تنظقها ولكن هناك صديق عزيز على القلب قد حضر سوف اذهب لاجلس معه بضع الوقت فاسمح لى بالاستاذان فقال لها بلهفة : ادعوه يجلس معنا قالت : انه لا يفضل الجلسات الممتلئة باشخاص كثيرون . ابتسمت بهيجة ثم نظرت الى احمد سامى الذى نهض مودع بسمة بحزن وهو يقول اين يجلس هذا الرجل المحظوظ اشارت اليه بسمة وقالت : هذا هو الذى يجلس منفردا هناك فنظر اليه سامى ففوجئ بانه ( الطاهر جميل محمود ) ......
الفصل الثالث
لم يكن غريب على (الطاهر جميل محمود) ان يمضى فى طريق خلف اى شخص من الاصدقاء دون ان يسال الى اين هو ذاهب ؟
ليس كنوع من الثقة فى الاصدقاء فهو يؤمن بكلمات الامام الشافعى كن سئ الظن فان سوء الظن من حسن الفطن . ولكونه ايضا شخص دائما يبحث عن المفاجأة . وبعد ماحدث بينه وبين احمد سامى وابتعاده تلك الفترة عن الذهاب الى المبنى العتيق فهو الان يتمتع بوقت فراغ كبير حتى العمل فى شركة المقاولات الكبرى التى يعمل بها لايذهب اليه الا مرتين فى الاسبوع . فى كل مرة يذهب فيها الطاهر الى مكان جديد يحاور نفسه ويؤكد لها انها تجربة جيدة وانه اكتشف فيها الكثير وربما تكون هى نقطة البداية التى يبحث عنها مع مطلع شمس كل يوم جديد .
بعد انهى سهرته مع بسمة نور الدين عرضت عليه السفر معها الى الاسكندرية لحضور اجتماع مع مجموعة من السياسيين يغلب عليه الطابع السرى وفى نفس الوقت اكدت له ان هناك بعض الشخصيات المهمة سوف تحضر هذا الاجتماع وانه ان اراد ان يكون له دور مهم فى المستقبل فعليه ان يكون مغامر ومشارك ى كل فعاليات تلك المجموعة التى تنظر اليها بسمة على انها هى التى سوف تملك صناعة القرار فى المستقبل .
لم يكن الطاهر فى حاجة الى كل هذه الاغراءات لكى يذهب معها .
فى حى المنشية اقتربت بسمة والطاهر من ميدان الشهيد ودخلوا احدى العمارات القديمة وصعدوا معا الى الدور الثانى حيث يوجد فندق (ناصر) يحتل الدور الثانى من العمارة .
رحب صاحب الفندق ببسمة ترحيب شديد ثم رحب بطريقة سريعة بالطاهر تقدم صاحب الفندق خطوات الى الامام وهم خلفه حتى وصل الى احد الغرف وطرق الباب وهو مبتسم يبلغ من فى الغرفة بقدوم بسمة فى ترحيب شديد وبين هذا وذاك ينظر الى الطاهر الذى التزم الصمت فى تعجب ثم اعاد الى مكانه بينما رحبت من فى الغرفه ببسمة والطاهر وهى الدكتورة ( جمالات السعيد ) وهى تحتضن بسمة وتقبلها بحرارة معلنة لها كم هى سعيدة انها جاءت الى الاسكندرية اليوم وانها تشعر بنجاح هذا الاجتماع بعد المجهود الذى بذلته بسمه فى جمع هذا العدد الكبير تحت اشراف منها وجمع بعض العناصر التى غابت عن العمل السياسى منذ رحيل ( جمال عبد الناصر ) بينما بسمة تحاول التاكيد لها ان الفضل كله يعود اليها
وبين هذا وذاك انتبهت الدكتورة جمالات السعيد لوجود الطاهر امام باب الغرفة وهو يقف فى صمت مبتسم . ادركت بسمة ذلك وبادرت بتعريف الطاهر للدكتورة جمالات وقالت : هذا هو الطاهر جميل محمود الذى تحدثت معك عنه يا دكتورة جمالات .
ابتسمت جمالات ومدت يداها مصافحة طاهر وقالت : انى سعيدة بقدومك وما سمعت عنك يجعلنى مشتاقه للحيث معك ومعرفه وجهة نظرك ونظر الشباب فى المرحلة القادمة التى نسعى لها تفضلوا بالدخول . دخلت بسمة وخلفها الطاهر بينما اسرعت جمالات نحو سرير الغرفه ورفعت من عليه بعض من الملابس وامسكت برداء اسود وارتدته حيث اكتشفت انها قابلتهم وهى ترتدى قميص النوم . لم يكن فى الغرفة سواء سرير ومقعد ومنضدة صغيرة ودولاب لحفظ الملابس . حيث جلست بسمة وجمالات على السرير بينما جلس الطاهر على مقعد بالقرب منهم وهو يتفحص الغرفة وجمالات بعينه ثم قال : والله انى اكثر الناس سعادة بلقائى هذا بشخص عظيم مثل حضرتك وان تاذنى لى ان اقول اننى كنت اتصور بجهل منى اننى سوف اقبل امراءة عجوز ترتدى النظارة وتمسك بين يديها بالقلم والاوراق والكتب فلا تغضبى من وصفى هذا فنا كل ما اعرفه عنك القليل من المعلومات التى عرفتها من الزميلة بسمة والكثير من ما قرات لكى وعنك اما الان فارى امامى صورة اجمل بكثير من ما رسمت . لم يكن فى طابع الدتورة جمالات ان تقاطع اى شخص يتحدث اليها سواء على انفراد او فى اجتماع دون ان ينهى كلامه حتى تعرف كل ما يريد قوله وتعرف الكثير عن شخصيته .
( جمالات السعيد ) دكتورة فى العلوم السياسية وهى نهاية العقد الخامس من عمرها يظهر عليها بعض من علامات الكبر لكن جمالها وجمالها يضغى على ذلك تتمع بجسد جميل وتتميز بالاناقة وخفة الظل وتحمل فى عقلها الكثير من المعرفة فى شتى المجالات وان كانت تتميز بفكرها الاشتراكى وقدرتها على التواصل مع الجميع حتى لو اختلفت معهم فى الفكر . انتهر الطاهر من كلامه الذى حمل من الثناء وشئ من الغزل اتجاه الدكتورة جمالات بينما بسمة تنظر اليه بتعجب .
امسكت الدكتورة جمالت بحقيبة يداها واخرجت علبة سجائر واشعلت واحدة وقالت وهى تنظر الى الطاهر : هذا جميل والان حدثنى عن وجهة نظرك وما تراه حتى نستطيع النهوض مرة اخرى فى ظل هذا النظام . نظر الطاهر نحو بسمة ثم الى جمالات وقال : ان النظام الحالى يخشى تحركات اليسار وهذه وجهة نظره التى بناها على مافعله النظام السابق مع اليسار لكن فى ظل المستجدات التى ظهرت على الحياة السياسية الان فانا ارى ان الطريق قد مهد بشكل قوى من خلال طرح احزاب جديدة بدلا من المنابر كما هو قائم الان فى ظل وجود ثلاثة احزاب فقط ومن هنا ياتى السؤال لماذا ارى انا ذلك ؟ صمت الطاهر للحظات ثم نظر نحو بسمة نظرة سريعة ثم عاد بعينيه نحو جمالات ونظر اليها متاملا ثم سلط نظره على عيناها وشفتاها ثم قال : ان السبب الرئيسى لوجهة نظرى هذه ان النظام الحالى كان يعانى من تجمع اليسار فى كيان واحد بشكل قوى لكن قوته ضعفت واضعفت النظام معها مع ظهور بعض التيارات الجديدة على الساحة السياسية وخاصة التيارات الدينية التى احتلت المساجد والجامعات وبعض المناطق الشعبية والنقابات والاندية هؤلاء من يتحركون الان بقوة بعد ما جمعوا من اموال الخليج التى غيرت كثير من حياة الملايين الفقارء فى مصر واليوم يتخلى المصريون الاسلام المتسامح المعتدل ويتحركون خلف الاسلام ذو قيمة صحراوية صلبه حيث انتشر بين هؤلاء الفكر الوهابى وتخلى المصريون عن حب الحياة وتعالا شأن الموت وظهر العداء لكل مظاهر الفرح وان كانوا منقسمون الى جماعات
( الاخوان والجماعات الاسلامية وبعض التنظيمات مثل الجهاد والتكفير والهجرة والتبليغ والدعوة واخرى ) واكبر دليل على ما اقول هو فشل النظام واليسار فى التصدى لهؤلاء وكان اخر ذلك ما فعله هؤلاء فى الاسكندرية امس والاسبوع الماضى فى اسيوط ومن قبلها فى القاهرة والجيزة ويكفيهم ما فعلوه من ارهاب للشعب والنظام بعد حادث المنصة ومن هنا اظن ان النظام يرغب فى التصدى لهم ومن مصلحته ان يترك كل تيارات اليسار ان تعمل بمفردها كى تثبت للنظام قوتها وتعيد طرح افكارها على الساحة السياسية اما الان فهم فى بيت واحد وكل منهم يرمى المسئوليه على الاخر ولذلك ضعق اليسار وضعفت الدوله معهم اما ما علينا نحن ان نقوم به ان نقوم بتوصيل تلك الرسالة الى النظام من خلال اشخاص يثق النظام فيهم وهذه قرائتى للاحداث اما وجهة نظر الشباب وبعض السياسيون تختلف واظن ان حضرتك تعرفين اكثر منى فى هذا الشان .
كانت الدكتورة جمالات تستمع الى الطاهر بتركيز وان كانت قد اربكها بضع لحظات بسبب نظراته الشهوانية لكن لم تشعره بذلك ثم نظرت الى بسمة ووجهت اليها الشؤال قائلة وانت يا بسمة ما رايك؟
قالت بسمة : ان كلام الطاهر فيه الكثير من الحقيقة وان اختلف معه فى بعض الاشياء ولكن قرائته للاحداث جيدة وتحمل رؤية للمستقبل ومن خلال ذلك انا ارشح الاستاذ ( احمد سامى ) لتوصيل تلك الرسالة الى النظام فهو اقرب شخص لهم اما ما علينا نحن فانا ارى ان نستمع اليكى والى باقى المجموعة فانتم اكثر خبرة ووعى منا .
ابتسم الدكتورة جمالات وقالت : فليكن حديثنا فى الاجتماع حول تلك الظاهر ومدى حاجة النظام للقضاء عليها ومدى حاجته لنا اما فكرة تفريق التيارات والنهوض بتيارنا والاستعانة بشخص قريب من النظام افضل الا طرح فى الاجتماع ونؤجلها الى وقت اخر عندما نعود الى القاهرة لكن هناك شئ مخيف فى تلك الفكرة وهو هل ان وافق النظام على ذلك سنكون لعبة بين يديه او جزء منه ام لا . وعلى غير عادة الطاهر نهض منزعج وقاطع الدكتورة جمالات وقال : بالطبع لا سوف نقف بجوارهم لمصلحة الدولة لكن لن نكون جزء منهم وسوف نخدعهم كما خدعونا ودمروا كل ما بنيناه ثم صمت نظرت اليه جمالات اهدا وقل لنا : كيف ؟ قال الطاهر سوف نعمل معهم على تصحيح بعض الافكار الخاطئة التى سيطرت على هؤلاء الجماعات والشباب والتصدى لكل من يريد ان يهدم النظام الجمهورى مع الحفاظ وتقوية المنهج والبحث عن كل الطرق التى تساعدنا على عودتنا الى راس الحكم . قالت جمالات : هذا جميل ولكن البحث فيه وطوير المنهج لتنفيذه سيكون صعب ويحتاج منا وقت والان هيا بنا الى الاجتماع فالوقت قد سرقنا . نهض الجميع وخرج الطاهر من الغرفة بينما جمالات تبدل ملابسها وبسمة تساعدها ثم همست جمالات وقالت : من اين اتيت بهذا الطاهر ؟ انه سوف يكون له وضع كبير فى هذا البلد . ابتسمت بسمه وقالت نحن تلاميذك يا دكتورة وبكى سوف نكون جميعا افضل .
انتهت جمالات من تبديل ملابسها ومضت الى خارج الغرفة وهى تنظر نحو الطاهر فى اعجاب ثم مالت مرة اخرى على بسمة وقالت لها : اظن ان يوم السبت القادم سيكون جميل ان التقينا فى بيتى فى القاهرة . قالت بسمة وهى تظهر السعادة : نعم سيكون جميل ذلك وسوف ااتى اليكى . ابتسمت جمالات وقالت اظن انه يكون من الافضل ان جاء الطاهر معك فانا اشعر انه لديه الكثير، ابتسمت بسمة وفى مكر قالت فليكن ذ لك .
الفصل الرابع
منذ عودته الى القاهرة وهو يشعر بشئ من التغيير حدث فى حياته .
انه اليوم ينام نوما هادئا بدون انزعاج او كوابيس لكنه مازال يخشى ان يطفئ المصباح ومازال يكتب السؤال الدائم :لماذا انا هنا بالذات؟
دون ان يضع له اجابة . تعددت لقاءات طاهر جميل محمود مع الدكتورة جمالات السعيد التى اعطته الثقة فى نفسه واستطاعت من خلال لقاءات كثيرة تجعل منه رجل اكثر ثقة وثقافة وقدرة على الاقناع بل جعلته يتخطى حاجز الخوف فى التحاور مع شخصيات التى يظن انها اعلى منه ولكن بين هذا وذاك لم تفلح فى ان تجمعه بين ذراعيها كما ترغب وكما اظهر لها هو رغبته فى ذلك من خلال الكثير من النظرات والايحائات فى الحوار بينهم .انه سعيد بذلك ويشعر انه حقق شئ جيد لكن فى بعض الاحيان تظهر له جمالات الوجه الاخر فيشعر بالاحباط والفشل . لم يكن يهواها او مال قلبه بشئ من الحب لها وانما هو دور اختار ان يلعبه على مسرح الحياة وكل يوم جديد يقف الطاهر اما المراءه يقنع نفسه بالمغامرة مع جمالات عن طريق تحويل الصداقة بينهم بشكلها الحالى الى صداقة على الطريقة الغربية او الزواج الرسمى وعند كل مساء يقف خلف النافذة فى بيته الصغير ويشاهد تحركات النساء فى غرف نومهم ويركز على بعضهم من القاربات فى الشكل او السن لجمالات ليشعر نفسه ويرضيها بانها جيدة وفى بعض الاحيان ياتى بامراءة لعوب تكون قريبة من السن او قبيحة ويتناول مع زجاجة البراندى ويتبادل معها الحب ويتخيلها هى (جمالات) انها اصعب مرحلة مر بها الطاهر فى حياته كما يظن حيث انه يفضل صغيرات السن واكثرهم جمال واقلهم معرفة لكن جمالات عكس كل ما يشتهى فى النساء . كان الطاهر منذ اللقاء الاول فى الاسكندرية قد ايقن ان جمالات هى طريقه الى المستقبل وان كان بالفعل قد اتخذ قراره بذلك مما جعل بسمة تؤكد له انه اصبح مشغول ومعجب كثيرا بجمالات ونفس الشئ اكدته لجمالات التى اكدت لها اعجابها بشخص الطاهر لكن ترى ان هناك فرق كبير فى العمر يجعلها تفكر كثيرا فى الامر . وفى احد الايام نهض الطاهر من نومه مفزوع على كابوس مروع بعد ان كان ودع تلك الاشياءء منذ لقائه بجمالات فلم يشعر بنفسه الا وهو يبدل ملابسه بسرعة ويقف امم المراءة يشاهد ملامح وجهه ويرسم عليها الابتسامة ثم قرر خروج من البيت فى هذا الوقت المبكر دون ان يحدد هدف يمضى اليه انما ترك الامر الى ما تسوقه اليه اقدامه . وفى شارع بولاق الجديد الذى يسكن فيه الطاهر مضى يتحرك ببطء وهو ينظر الى وجوه الناس وكانه لم يراها من قبل البعض يلقى عليه التحية وهو يرد بصوت منخفض او بالاشارة وهو مازال يحدق فى الوجوه . انتبه الطاهر الى نفسه بعد وقت كبير من المشى فوجد نفسه يقف اما المبنى العتيق ينظر اليه بشئ من الحنين ثم شعر بشئ داخله يدفعه نحو المبنى فوجد اقدامه تحمله داخل المبنى العتيق وهو ينظر نحو مقعد الذى اسفل الصورة الكبيرة للزعيم . تقدم الطاهر خطوات نحو المقعد وهو يتفحص المبنى بعينيه يمين ويسار وفجأة عندما اقترب من المقعد فوجئ بشاب يسبقه ويجلس اسفل صورة الزعيم وهو يرسم الابتسامة على وجهه . بينما الطاهر اصابه شئ من الصمت والتعجب والغضب وهو يقف مثل التمثال بينما نهض الشاب من على المقعد ومد يده يصافح الطاهر وهو يقول له : مرحباً هل استطيع ان اقدم لك اى خدمة ؟ نظر الطاهر الى صورة الزعيم ثم الى الشاب وقال : لا لا شكراً لا اريد شيئاً فقال له الشاب : هل انت عضو معنا ام زائر ؟ قال له الطاهر : نعم انا عضو هنا اشار الشاب بيده الى المقعد المجاور وقال للطاهر : اذن تفضل بالجلوس يبدو انك من زمن لم تاتى الى هنا فانا منذ قدومى لم اراك . نظر اليه الطاهر وقال : نعم منذ زمن لكن ليس بعيد ولكن يبدو ان هناك اشياء تتغير دون ان نشعر بها . قال له الشاب بعد ان جلس وظل الطاهر واقف : هكذا الدنيا يا رفيق تسرق العمر وتاتى باشياء لم نحسب لها حساب وتبدل اناس باناس . ابتسم الطاهر ونظر الى الشاب وقال : نعم هذا هو بالفعل . نهض الشاب مرة اخرى وقال للطاهر : يارفيقى اجلس فمن العيب ان اجلس وانت مازلت تقف اجلس فانت هدية الله ليا اليوم . نظر اليه الطاهر بتعجب وقال متسائلا : ماذا ؟ فقال الشاب نعم لكن اجلس ثم نتحدث . جلس الطاهر ومازال يملكه شئ من التعجب والغضب الذى يحاول ان يخفيه فى ذلك الوقت اقترب احد العمال وتبادل تحية الصباح مع الطاهر والشاب وعرف مايريد كل منهم ان يشرب ثم مضى . اخرج الشاب علبة سجائر ومد واحدة الى الطاهر الذى رفضها بشكل مقبول بينما اشعل الشاب السيجارة وقال : اعرفك بنفسى انا (سيد حسان) من ابناء هذا التيار لكنى غبت خارج البلاد فترة كبيرة بعد مضايقات السادات لنا وعدت منذ وقت قريب واول شئ فعلته انى فعلت عضويتى هنا عن طريق بعض الاصدقاء اللذين مع الاسف لم يعد ياتى منهم احد او يهتم بالفكر والمنهج وهموم الوطن بعد ان انشغلوا فى الاعمال الجديدة التى امتهونها فى عصر الانفتاح بعد ان سلموا الراية للسادات ولا اعرف احد هنا غير القليل من القيادات القديمة وانا اشعر فى وجهك شئ من الراحة فلهذا شعرت انك هدية الله لى كما تعرفنى باصدقاء هنا وتحكى لى عن بعض القيادات الجديدة وانا اود ان اعرف عنهم بعض الاشياء كى اعلم كيف يكون تعاملى معهم فى الايام القادمة . الطاهر يستمع اليه وهو يبتسم ابتسامة ساخرة ثم نهض وقال هذا تفكير جيد لكن الان انا لابد لى ان اذهب وثق انه سيكون هناك بيننا لقاء اخر . شعر حسان بشئ من الضيق لكنه تملك نفسه وقال لكن انتظر حتى تشرب قهوتك قال له الطاهر وهو يمضى الى الخارج : قد شربتها مرات كثيرة قبل الان فلتكن فى وقت اخر . تحرك الطاهر الى الخارج بينما حسان عاد وجلس اسفل صورة الزعيم وهو يرسم الابتسامة على وجهه . سيد حسان شاب فى بداية العقد الرابع من عمره ذو ملامح شرقية يميل الى السمار متوسط القامة يمتهن اى مهنة تقترب منه ويكون فيها المال الكثير لكنه فى الاصل انهى دراسته فى التاريخ . مضى الطاهر الى الخارج وهو يضحك بصوت مرتفع على اقرب مقهى جلس وطلب فنجان من القهوة ثم شرد قليلا ثم نهض دون ان يشرب القهوة ومضى الى الامام بدون هدف حيث امتلكه شئ من عدم الاتزان او فوضى داخل عقله . استمر الطاهر يتجول فى الطرقات حتى انتبه الى نفسه والليل قد حل وصارت قدماه لا تقوى على الحركة فجلس على احد المقاعد المنتشرة فى الطرقات فارهقه التعب فنام . وبعد وقت طويل وقد انتصف الليل وخلت الشوارع من المارة استيقظ وتحرك بسرعة وهو يتفقد الطريق متجه نحو بيته ثم توقف بعد ان اشار اليه رجل عجوز ينام على احد المقاعد فى الطريق وهو يقول له تمهل وانظر الى طريقك ودع همومك خلف ظهرك فانت مازلت شاب ولم تدخل المعركة بعد . وبدون تفكير قال له الطاهر : اود ان ادخل المعركة . قال له العجوز : اذا ادخلها وان كان النصر صعب او مستحيل لكن عاهد نفسك الا تنسحب . استدار الطاهر الى الخلف وقرر لذهاب الى الدكتورة جمالات .
طرق الباب عدة مرات حتى انتبهت له جمالات الى لم تفتح الباب الا بعد ان عرفت من خلفه حيث تعبش بمفردها منذ وقت طويل ولم تعتاد على الزيارات فى وقت مثل هذا . نظرت جمالات الى وجه الطاهر وفى استغراب شديد قالت له ماذا حدث هل حدث لك شئ ؟
صمت الطاهر لحظة ثم قال بصوت مبحوح حزين لم اعد اقوى على الانتظار اكثر من ذلك . قالت له جمالات مقاطعة على عكس عاداتها : لا تستطع ان تقوى على انتظار ماذا ؟ قال لها الطاهر : هل ادخل ام مضى ؟ لم تمانع فى دخول الطاهر وبعد ان دخل اغلقت الباب واستدارت وهى تنظر اليه ولم تشعر بشئ الا بذراعى الطاهر تحتضنها فى دفئ وهو يبكى ويقول : لم اعد احتمل لم اعد احتمل ولا اعرف كيف انجو من هذا انا . انا . انا . ثم صمت بينما هى تحاول ان تهدا من روعه ولكنها مشتاقة منذ زمن الى ذلك الحزن وقالت له بصوت ضعيف : ارفع ذراعيك عنى واجلس واهدا كل شئ له حل ماذا حدث معك ؟ وبعين ماكرة نظر الطاهر الى عيناها وهو مازل يحتضنها فوجدتها منساقة معه الى الرغبة وقال ما حدث معر اننى لا اعرف طعم للحياة منذ لقائك . ثم قبلها وهو يرتجف خوفا من رد الفعل ولكنها كانت اكثر منه خوف ان يتركها وهى منذ وقت تنتظر هذا الحدث . صمتت وانساقت خلف رغباتها واستمر الطاهر يقبلها ويضمها اليه اكثر فاستسلمت لما احدثه من سكينة بداخلها ولو تفق الى نفيسها ولم تشعر الا بروحها هادئة مستكينة عارية والقت بعقلها ونست انه يصغرها ومضت ترتوى بعد ظمأ سنين طالت .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.