مغلوب على أمره, حتى بعد ثورة التحرير, أرهقه التعب طوال أيام الميدان, كم من مرة تساءل فيها عن غباء النظام السابق, وعنجهية حاكم البلاد وعنده وإصراره على تحويل المواطنين إلى عبيد, يعبدونه من دون الله, أخذ المفتش "كرومبو" يتابع أحداث مصر، ماذا يحدث في بلدة فساد ستان، أين الأزمة الحقيقية، من السبب، لمصلحة من يحدث كل هذا، ما مصير هذا البلد الذي كان مضرب الأمثلة في الحضارة والتاريخ والفن والعلوم، كل هذه الأسئلة صدعت دماغ المفتش كرومبو، ظل يحاول المفتش كرومبو إيجاد اللغز الذي استطاع دائمًا أن يفك شفراته، قرر استخدام جهاز الكمبيوتر الخاص به، الجهاز الذي يحتفظ به لنفسه ويساعده في اكتشاف الحقائق، المعادلات التي يجيد استخدامها محفوظة على الجهاز العبقري، فتح "الإنترنت" وتصفَّح العديد من المواقع والصحف التي من الممكن أن تساعده على حل اللغز، بحث عن كلمة "فساد"، هاله ما رأى، شعر بأن دقات قلبه تتزايد، صحافة ملونة، تترجم فساد مؤسسات، في مجتمع يعاني من ألغاز كثيرة، هاحل إيه ولا إيه، صارح نفسه، ثم أعطى لنفسه مساحة من الوقت حتى يُرضي غروره وينجح في إيجاد اللغز الذي أوصاه أهل "فساد ستان" بمساعدتهم في إيجاده، لعلهم ينجحون في تطوير بلدهم وطرد من أفسدوها. أدرك كرومبو أن مهمة الدكتور عصام شرف رئيس الوزراء انتحارية, لقد نجح المصريون في خلع رئيسهم المستبد, لكنهم لم ينجحوا بعد في التخلص من سلبياتهم, ولم يتحلوا بأخلاق أطهر أماكن الدنيا, ميدان التحرير الذي سقط فيه شهداء مصر حتى ينتزعون الحرية من فم الديكتاتور, "تمييز"، "عنصرية"، "استبداد"، مفردات جديدة لم يسمع عنها من قبل، لكنه لا يزال يبحث في شبكة الإنترنت الدولية عن أسباب هذا الكم الهائل من الفساد، أين البديل، وجوه مكرَّرة مشوهة، وواقع يأبى التغيير، من يسمح له أصلاً أن يتغيَّر، دقات قلب كرومبو تتزايد، يخشى الفشل لكنه يتحدَّى نفسه. أجهد التفكير كرومبو فاتجه لتناول كوب من المياه "يبل" به ريقه، فتح حنفية المياه في غرفة متواضعة بإحدى شقق البلدة، وضع الكوب أسفل الحنفية وهو يتمنَّى أن يشرب مياه الدنيا كلها، فالوضع محيِّر جد، قطرات المياه تسبح داخل الكوب، شرب الكوب سريعًا قبل أن يكتشف أن شوائب أخرى زارت بطنه وعليه أن يعتاد عليها طالمًا أراد الإقامة في البلدة لحل مشكلة المواطنين الغلابة، تجرَّع المأساة وعاود البحث، كتب "ديمقراطية" في بحثه على موقع "جوجل" الشهير، لقد قرأ كرومبو تقارير خطيرة "الجهاز المركزي للمحاسبات"، "الحريات"، دقات قلبه تزداد بشكل سريع، يواصل القراءة فيجد "تعدد الديانات والمذاهب"، "العشوائيات"، "القهر"، "تشويه صور الرموز الوطنية"، يتحدَّث بصوت مسموع لعله يقنع نفسه "إيه ده يا كرومبو، الناس دي ساكتة ازاي"، جمل أخرى تظهر على الشبكة العنكبوتية غريبة هي الأخرى "جماعات تغلب مصالحها الشخصية"، "أمراض سرطانية"، "إقصاء للآخر", "نخبة مستكينة". قلب كرومبو يكاد يتوقَّف على الرغم من أن المفتش نفسه يكافح من أجل مساعدة هؤلاء المساكين، يصرخ بأعلى صوته "دي مش بلد، دي غابة"، ثم يحقِّر من نفسه مرات ومرات، وهل في الغابة وحشية بتلك الطريقة، الحيوان لا يصطاد إلا إذا كان جائعًا، في البلدة المكلومة، يأكلون الناس في السر والعلن، من أجل تحقيق رغباتهم الشهوانية، يدوسون على رؤوس أقرانهم من البشر من أجل حفنة من المال، السلطة. رمى المفتش كرومبو قلمه على شاشة الكمبيوتر، ضحك بصوت عالٍ وهو يرقص كالمجنون، يقفز لأعلى ثم يضحك في قهقهة عالية، عملتوا فيها إيه يا ولاد اللذين، بعد مرور أيام قليلة، كان كرومبو يتلقَّى العلاج بأحد مستشفيات الصحة العقلية، ولسان حاله يقول "حتى أنت أيها المفتش كرومبو".