وزيرة الهجرة: مصر والمملكة المتحدة تربطهما علاقات تاريخية وثيقة    وزير الإسكان يصطحب نائب رئيس غينيا بالبرج الأيقوني ويستعرض جهود إنشاء العاصمة الإدارية    حزب الله يعلن مقتل أحد عناصره متأثرًا بإصابته قبل أيام    أبرزهم راقصي السامبا.. مواعيد مباريات اليوم الأربعاء    أول صور لمخيمات حجاج قرعة الحج السياحي بمنى وعرفات قبل تصعيد الحجاج    ما هي المادة 384 التي طلب استخدامها قاضي عصام صاصا حال عدم حضوره؟    حبس ربة منزل بتهمة ترويج المواد المخدرة في روض الفرج    البروفات النهائية للمخرج مازن الغرباوي قبل مشاركته بعرض "انتحار معلن" في مهرجان آرانيا الدولي للمسرح    البورصة: مؤشر الشريعة الإسلامية يضم 33 شركة بقطاعات مختلفة    بروتوكول بين بنك مصر وصندوق التنمية الحضرية لمنح قروض تمويل عقاري لمشروعات تطوير عواصم المحافظات    المصري الديمقراطي: تنسيقية شباب الأحزاب استطاعت تأهيل عدد كبير من الشباب للعمل السياسي    صحة غزة تحذر من توقف محطة الأكسجين الوحيدة في القطاع    نقيب الصحفيين الفلسطينيين ل"قصواء الخلالي": موقف الرئيس السيسي تاريخي    الاستخبارات الداخلية الألمانية ترصد تزايدا في عدد المنتمين لليمين المتطرف    القوات المسلحة تهنئ رئيس الجمهورية بمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك    أيمن يونس يكشف كواليس عقوبة زامورا عليه بسبب لاعب الأهلي    "لا أفوت أي مباراة".. تريزيجية يكشف حقيقة مفاوضات الأهلي    تدريب وبناء قدرات.. تفاصيل بروتوكول تعاون بين مركز التدريب الإقليمي للري والمعهد العالي للهندسة بالعبور    عاشور يشارك في اجتماع وزراء التعليم لدول البريكس بروسيا    التعليم تكشف تفاصيل مهمة بشأن مصروفات العام الدراسي المقبل    فيديو| إجراءات تفتيش طالبات بالثانوية العامة في السويس قبل انطلاق امتحان الاقتصاد    الداخلية: ضبط 562 دراجة نارية لعدم ارتداء الخوذة    توريد 228 ألف طن قمح لشون وصوامع البحيرة    عزيز الشافعي: أغاني الهضبة سبب من أسباب نجاحي و"الطعامة" تحد جديد    في ذكرى ميلاد شرارة الكوميديا.. محطات في حياة محمد عوض الفنية والأسرية    عصام السيد يروي ل"الشاهد" كواليس مسيرة المثقفين ب"القباقيب" ضد الإخوان    سوسن بدر: المصريون نتاج الثقافات والحضارات الوافدة لمصر وصنعنا بها تاريخ    بيان الأولوية بين شعيرة الأضحية والعقيقة    5 نصائح من «الصحة» لتقوية مناعة الطلاب خلال فترة امتحانات الثانوية العامة    الصحة: إجراء 2.3 مليون عملية بقوائم الانتظار بتكلفة 17 مليار جنيه    جواو فيليكس: مستعدون لليورو والهزيمة أمام كرواتيا أعادتنا للمسار الصحيح    شبانة: حسام حسن عليه تقديم خطة عمله إلى اتحاد الكرة    «أوقاف شمال سيناء» تقيم نموذج محاكاه لتعليم الأطفال مناسك الحج    كومباني يحدد أول صفقاته في بايرن    وزيرة الهجرة تستقبل سفير الاتحاد الأوروبي لدى مصر لبحث التعاون في ملف التدريب من أجل التوظيف    حماية العيون من أضرار أشعة الشمس: الضرورة والوقاية    «التضامن الاجتماعي» توافق على قيد جمعيتين بالشرقية    عفو رئاسي عن بعض المحكوم عليهم بمناسبة عيد الأضحى    محافظ الغربية يتابع مشروعات الرصف والتطوير الجارية ببسيون    إي اف چي هيرميس تنجح في إتمام خدماتها الاستشارية لصفقة الطرح العام الأولي لشركة «ألف للتعليم القابضة» بقيمة 515 مليون دولار في سوق أبو ظبي للأوراق المالية    أفضل أدعية يوم عرفة.. تغفر ذنوب عامين    عضو لجنة الرقابة الشرعية: فنادق الشركات المقدمة للخمور تنضم لمؤشر الشريعة بشرط    يونيسف: نحو 3 آلاف طفل في غزة معرضون لخطر الموت    الأرصاد تكشف عن طقس أول أيام عيد الأضحي المبارك    توقيع بروتوكول تعاون ثنائي بين هيئة الرعاية الصحية ومجموعة معامل خاصة في مجالات تطوير المعامل الطبية    "مقام إبراهيم"... آيةٌ بينة ومُصَلًّى للطائفين والعاكفين والركع السجود    تفاصيل مشاجرة شقيق كهربا مع رضا البحراوي    وزير الدفاع الألماني يعتزم إعادة نظام تسجيل المؤهلين للخدمة العسكرية    بطل ولاد رزق 3.. ماذا قال أحمد عز عن الأفلام المتنافسة معه في موسم عيد الأضحى؟    وزير الأوقاف يهنئ الرئيس السيسي بعيد الأضحى المبارك    وزير الصحة: تقديم كافة سبل الدعم إلى غينيا للتصدي لالتهاب الكبد الفيروسي C    استشهاد 6 فلسطينيين برصاص إسرائيلي في جنين بالضفة الغربية    «اشتغل وخلاص».. رسالة خاصة من حازم إمام ل حسام حسن    اتحاد الكرة يحسم مشاركة محمد صلاح في أولمبياد باريس 2024    زواج شيرين من رجل أعمال خارج الوسط الفني    خلال 3 أشهر.. إجراء عاجل ينتظر المنصات التي تعمل بدون ترخيص    برلماني: مطالب الرئيس ال4 بمؤتمر غزة وضعت العالم أمام مسؤولياته    حظك اليوم| الاربعاء 12 يونيو لمواليد برج الميزان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كلناعايزين صورة
نشر في المراقب يوم 25 - 06 - 2011

منذ أيام ظهرت علي صفحة السماء صورة حية للقمر في بدر اكتماله عندما غزته مواكب الظلمة الزاحفة وكأنها دخان أسود كثيف انطلق من رحم المجهول ليحجب قرص الضياء‏..‏
و..ينغمس النور تدريجيا في جسد الظلام ليبقي نصفه ثم هلاله ثم حافة دائرته المضيئة التي سرعان ما تتبدد هي الأخري وسط الحلكة التي تسود.. ويأتي صوت ابن الشقيقة عبر الأثير: سارعي يا خالتي بالدعاء فهو الآن مستجاب أمام ظاهرة الخسوف الكلي التي لا تتكرر إلا كل ستين عاما, حيث أشك كثيرا في لحاقكم بها مرة أخري!!.. و..إذ قال لنا ادعو الله وجدتني أمام رهبة صورة المشهد الكوني المتفرد أدعو لا إراديا لمصر.. وعزة الله أتت مصر علي خاطري ولساني قبل أي هاتف آخر.. يحميك يا مصر.. ينصرك.. يأخذ بيدك ويعيد لوجهك السلام والأمان والحق والعدل والوئام.. ويظل القلب داعيا, وتبقي العين راعية للنقطة السرمدية اللانهائية التي أخذت في ابتلاع صورة القمر علي مدي ساعة وأكثر.. بعدها.. خرج قمرنا من إساره, وهزم جيوش الظلام, واسترد عافيته, ونفض عنه سواده, واستعاد كامل ضيائه, وبطل كسوفا وخسوفا, وعادت لنا لياليه الجميلة نسعد بنوره ولو من بعيد لبعيد.
صورة انضمت تلقائيا لمحتويات صور ألبوم الذاكرة الذي يشكل بلقطاته ووجوهه أعمارنا وأحداث حياتنا.. و..بالأمس عندما أصدر القضاء حكمه بتأجيل النظر في مسألة نزع صور الرئيس السابق مبارك وزوجته من فوق الجدران والمنشآت والكتب إلي حين الانتهاء من محاكمتهما, قفزت للذاكرة صورة الملك السابق فاروق في أفلامنا من بعد قيام ثورة يوليو وقد تذبذبت علي سطحها نقطة الحبر الكوميدية من جراء دوران مشاهد الفيلم بهدف محو وجه صاحبها وذكراه لإسقاطهما عنوة من تاريخ مصر, وكأنه لم يظل وليا للعهد ثم ملكا للبلاد علي مدي أكثر من ثلاثين عاما, وكأن مبارك لم يمكث في القصر الرئاسي ثلاثين عاما أخري.. أي ستون عاما من عمرنا. وإن فرق بينهما حكم ناصر والسادات.. لن تستطيع نقطة حبر الرقيب المتراقصة, أو تمزيق صورة في كتاب, أو نزع لوحة حجر أساس, أو إقصاء معركة في حرب أو معاهدة في سلم, أن تمحوها من تاريخ أمة قام شعبها بثورة علي الفساد أطاحت بالأول متنازلا عن العرش, وبالثاني محالا للتنحي عن حلم عرش كان سيورثه للنجل المفدي.. ورغم المحو والقطع والنزع والإلغاء ومرور الأيام مازلنا نقول للآن شارع الملكة نازلي, وتمثال ديليسبس, ودوران الخازندار, ومنشية ناصر, والمستشفي الفرنساوي, وطريق المعاهدة, ومبرة محمد علي, ومدينة السادات, وميدان لاظوغلي, والخديوية الثانوية, والجمعية الجغرافية التي أرست قواعدها الحملة الفرنسية!!!
وقد تطول محاكمة مبارك أو تقصر تبعا لمسيرة العدالة والقانون وتيسير الحال في سكة حكومة تسيير الأعمال, ودستور ياسيادي ولا انتخابات؟! كي يتم نزع جميع صوره من حولنا وفوقنا, فقد كانت الأوامر تقضي بألا يجلس مدير أو وزير أو غفير في دولة ولا مؤاخذة المؤسسات فوق كرسي وظيفته إلا ويطل المبارك عليه من الأعالي من خلال الصورة الرسمية التي استبدلت بخباثة مع أخبار تقاريره الصحية المستقرة والمكتئبة بلقطة عفوية بلهاء يأكل فيها شفتيه ويكز علي أسنانه وحمدا لله أن ثورة25 يناير قد لحقتنا بين يوم وليلة كي لا نعيش واقعة سك العملة المصرية بصورة جمال مبارك, حيث كانت المسابقة للقيام بتصميمها قائمة في الحسبان لتواكب حفل التوريث الذي كان قد أسندت لأشهر بيت أزياء في لندن مهمة القيام بتصميم ثوبه الملكي!
وإذا ما كانت ألبومات الصور قد انتقلت جهارا نهارا إلي مواقع النت والفيس بوك ليطل عليها كل من هب ودب, أو إلي جهاز الموبايل الذي تسجل عليه لقطة جديدة ما بين لحظة وأخري لإضافتها لمجموعة صور الاستوديو الخاص بك.. رغم ذلك, فمازالت الصورة المطبوعة متسيدة ولها طلبها وصحافتها وجمهورها وعشاقها.. وبحكم عملي الصحفي الطويل التقيت بآلاف الصور التي قد تغني فيها لقطة واحدة عن مقال صفحات, وتعكس صورة هلع طفلة وسط الركام مدي خيبة النظام, ويكشف فيها ظهر المسئول المتخاذل ما لم ينطق به قناع الوجه, ويفصح فيها سلام الأضداد عن حدوث معجزة الوئام وتظل الأجواء في انتظار صورة لقاء البابا شنودة بالإخوة الإخوان وتطلع صورة مصفحات القذافي المستمرة في إبادة الثوار لسانها للناتو وأبو الناتو وأم الناتو.. وتبني صورة جسرا, وتطاول مئذنة, وتخرب بيتا, وتعلي الزغرودة, وتأخذ السونامي في حضنها, وتدمر مستقبل شاب, وتقف عثرة في الطريق, وتضبط زيادة السرعة, وتصلي علي المرحوم, وتدخل شرايين القلب لتركيب الدعامة, وتعكس حجم الورم, وتتعرف علي نوع الجنين, وتلاحق إذاعة البيان, وحفل عقد القران, ومراسم الإعدام, وتخريج الدفعة, ودموع الثانوية, ولا إله إلا الله علي قشر بيضة, وفرخة بثلاثة أرجل, وعين واحدة في رأس معزة, وامرأة لخمسة أزواج, وعربة بوكس لنقل السادة الباشاوات من المزرعة, وواحد عض كلب, وشباب زي الورد يطلون الرصيف... وتواكب الصورة لافتات المليونيات الحتمية والضبابية والوقفات الاحتجاجية والاعتصامات الجامعية والفتنة الطائفية.. وتعبر صورة إغفاءة النائب أو قزقزته لقرطاس اللب أو خلعه الحذاء أثناء انعقاد الجلسة عن مدي وطنيته, وتعكس صورة جهامة جميع مرشحي الرئاسة بأن الحل المفرح لن يأتي علي يد أحد منهم, وتكشف صورة حائط القسم الخالي من صور المسجلين الخطر بأن المبني قد تم تجديده من بعد تجريده إثر اقتحام البلطجية, وتعلن الصورة المستحدثة لبوابات العمارات الحديدية بالأقفال الفولاذية أن دولة عم محمد البواب قد دالت بعدما تمشي في الأحياء من لم يعد في وجوههم ذرة حياء, وتقول صورة إيلان تشايم جرابيل الجاسوس الإسرائيلي الجالس فوق منبر الجامع الكثير والكثير بما يوحي بالتقليل من منطق بعض الدعاة, وتتركنا صحافتنا الغارقة هذه الأيام في هوجة الحيص بيص ننعي أيام الجدية والثواب والعقاب والاعتذار المباشر عن الأخبار المختلقة, ومثال لذلك التخبط ما تم نشره هذا الأسبوع من صورة وزير الآثار الدكتور زاهي حواس وإلي جواره صورة لزوجة مبارك في الصفحة الأولي مع خبر بمانشيت ضخم يتهمهما معا بتبديد الآثار, وما أن تقلب الصفحة في نفس الجريدة حتي تري نفس الوزير حواس وإلي جواره هذه المرة صورة زوجة السادات مع خبر عقدهما بالأمس مؤتمرا في الولايات المتحدة حضره أربعة آلاف أمريكي للدعاية لآثار مصر وتشجيع عودة السياحة إليها.. ولك الله يا زاهي الحواس ما بين التبديد والترغيب!
وتظل الذاكرة الفوتوغرافية محتفظة ببعض الصور لا تنوي طمسها أو تشفيرها لما لها عندي من دلالات خاصة قد لا يعيرها غيري اهتماما, أو أنها قد استرعت نظره حين نشرها ثم ولي الاهتمام.. منها صورة مارلين مونرو في فستانها الكلوش البليسيه واقفة علي الناصية في مهب الهواء, وصورة الطفلة فاتن حمامة بالمنديل أبو أوية في فيلم يوم سعيد, وصورة يوسف السباعي ويوسف إدريس ضاحكين معا يوم تنافسهما علي منصب نقيب الصحفيين, وصورة الشيخ محمد متولي الشعراوي الناطق بلسان دستور الثورة: الثائر الحق الذي يثور ليهدم الفساد, ثم يهدأ ليبني الأمجاد بالبدلة والكرافتة في زيارة له إلي عاصمة الضباب, وصورة الزعيم مصطفي النحاس يسلم فيها علي نائب دائرة الوايلي التي غطت جميع جدران الدائرة وكان تحتها عبارة إني فخور بك يا قراعة, وصورة زينب الوكيل في واجهة جريدة أخبار اليوم المعادية لحزب الوفد وهي تجمع في حضنها جبل التبرعات, وصورة أفيش فيلم إني راحلة التي تظهر كلا من مديحة يسري وعماد حمدي بالبروفيل, ومسلسل صور مصرع الطفل الفلسطيني محمد الدرة, وصورة جاكلين كيندي بالتايير الشانيل الروز تحمي رأس كيندي المصاب في العربة المفتوحة, وصورة صدام بعد اعتقاله يفتشون بين ضروسه عن الممنوعات, وصورة للمصور رشاد القوصي للفيلد مارشال مونتجومري قائد قوات الحلفاء في معركة العلمين في الحرب العالمية الثانية أثناء عودته إلي مصر كهلا متساندا لتصوير فيلم تسجيلي عن العلمين في مارس1967, وصورة سعد زغلول من فوق ظهر الحمار أثناء تجواله في قري الصعيد, وصورة لكاميرا حسين دياب تظهر عبدالحكيم عامر يصور عبدالناصر في جلسة ودية مسترخية في شرفة الكابينة, وصورة نادرة للفنان الراحل فاروق إبراهيم تجري فيها أم كلثوم حديثا بالميكروفون مع الأستاذ هيكل, وصورة الرئيس محمد نجيب مذعورا لحظة اعتقاله وعزله من الرئاسة, وصورة لشاه إيران حانيا ملتاعا يلتقط رمشا دخل خطأ في عين الإمبراطورة فوزية, وضحكة من الأعماق لإحسان عبدالقدوس بكاميرا أنطون ألبير, وصور لغالبية نجوم السينما العالمية مذيلة بإمضائهم, وتمنياتهم الشخصية لشخصي المتواضع أيام رئاستي لتحرير مجلة نصف الدنيا التي كانت تأتيني كحافز لسرعة نشر الرسائل الصحفية التي كانت تبعث بها مراسلتنا عايدة تكلا من هوليوود, وأمام انبهار حفيدتي بما كتبته لجدتها اليزابيث تايلور بخط يدها أقول لها مدعية عدم الاكتراث وعندك يا روحي ما كتبته لي صوفيا لورين وفرح فاوست وكلوديا كاردينالي.. وصورة قدمت مبارك لأول الصف من آخر الصف فأحدث التقديم والقادم والمقدم دوائر اللغط والسخط!!
ونفر من بيننا مصاب بشبق التصوير.. لا بأن يمسك بنفسه الكاميرا ليسجل منظرا أو اجتماعا أو لقاء أو وجها لقريب أو لصديق, وإنما بأن تمسك به الكاميرا هو لتدور في فلكه, وتمشي في ركابه, وتخضع للفتاته وإيماءاته وضحكاته وانطلاقاته, فتلاحقه أينما ذهب وجلس ووقف وأكل وشرب وسرح وقدح ومرح, فتراه أو تراها خاصة إذا ما كان المنصب أو المجال يوفر العدسة الملاكي متواجدا في جميع الصور, وفوق كل المنصات, وعلي جميع الجبهات والساحات, في المؤتمرات والندوات والافتتاحات والديفيلهات, وليس مهما أبدا المشاركة بالفعل أو الرأي فسيكفيكهموا التواجد الحسي والتايير المشمشي والكعب التالان وأريج لانفان والشعر الشاتان, فإذا ما حدث وأن سافر ذلك النفر أو سافرت وغاب عن الصفحات فعود حميد مكثف يعوض جميع ما فات مادام التوجه الرشيد منذ البداية هو حب الظهور وسرقة الكاميرات في كل ما هو آت!
وتلعب الصور داخل البيت دورها الاستراتيجي تتقدمها كأمر طبيعي صورة الزفاف, ولقطات لمراحل نمو العيال, وصورة للأب أو الجد في الصدارة إذا ما كان علي صدره النيشان أو يسلم فيها علي كبير كان, وغالبا ما تشكل الترابيزة أو رف الصور العائلية أرضية لمعركة صامتة مماثلة لرقعة الشطرنج حيث يمارس فوقها سرا أو جهرا اللعب بالأعصاب بدفع الفيل للأمام, أو قهقرة الحصان للخلف, أو الإطاحة بالوزير من فوق سطح الأرض, أو أن يكش بالملك بأصابع الطغيان, أو أن تنزاح الطابة للركن البعيد الهادئ, أو أن تترك مع سبق الإصرار والترصد صورة اللي بالي بالك لممرات التراب ومحطات الذباب, أو أن يدفع بها هي بالذات لعبث الرضيع بالحجة المعلنة بأن يقبلها, وبالنية الخافتة المغرضة, كي يقطع رأسها أو يسود وشها, أو يشرحها شرائط كل عين في ناحية, ويا خبر..Sorry يا طانت أعمل إيه للواد العفريت الشقي.. وغالبا ما يرسم اللعيبة علي وجوههم قناع السذاجة عندما تسقط صورة من البرواز الذي فقد مسمارا بلا أدلة جنائية, أو تحجب صورة بحسن نية مبيتة بكتف صورة أخري, أو تركن صورة وشها للحيط, أو تختار صورة كلشنكان, هذا بينما شطرنج النظرات يعكس مفهوم الرسائل عبر القاراتintercontenitalMassage وأنا عارفة وانت عارفة والعارف لا يعرف وانت ست العارفين!.. وقد حمدت الله علي سماع الصديقة لنصيحتي في الاحتفاظ بموقع صورة حماها بالقفطان والطربوش المتصدرة لحائط صالونها الأوبيسون فهناؤها العائلي مرتبط بموقع تلك الصورة حيث يقوم زوجها الثري المعروف بالتردد عليها لشعوره عندها بالراحة والأمان حيث يتمدد في مقعده مستعرضا أصداء نجاحاته في رحاب نظرات الحنان والإعجاب القادمة عبر صورة المعلم والده التي استبعدتها زوجته الأخري الأجنبية التي تنفر من الطربوش ونبهت عليه أنه إذا ما صمم علي الاحتفاظ بتلك الصورة فليؤجر لها شقة بعيدة هناك.. وها هو قد قام بشراء تلك الشقة لتغدو ضرتها الجديدة حارسة وراعية لصورة المرحوم المعلم.. فكيف بالله تضيق بها؟!
وعلي درب الصور والتصوير علينا من قبل ومن بعد أن نذكر أنه من أسماء الله الحسني المصور, فهو الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيزالجبار المتكبر, هو الله الخالق البارئ المصور.. والله عندما أجاز لنا الإتصاف ببعض من صفاته من غير تشبيه ولا تعطيل فلأنه ليس كمثله شيء وبذلك يكون قد كرمنا بها وشرفنا بحوزتها تكريما للبشرية وتحقيقا لقوله تعالي: ولقد كرمنا بني آدم والقائل مخاطبا الإنسان في أي صورة ما شاء ركبك.. الخالق المصور للجمال بمعناه الواسع الذي لا يقف عند حدود الحس, ولا ينحصر داخل القوالب المحدودة.. الخالق المصور للكون بنجومه وشموسه وأقماره وما بينهما من تجاذب وارتباط.. الخالق المصور للطبيعة بما تحوي من جبال وأنهار وأضواء وظلال وجماد وأحياء.. الخالق المصور للمشاعر بما فيها من حب وخير وطلاقة وسمو.. الخالق المصور الذي يعلمنا قرآنه أن الحياة الإنسانية لا تقوم علي الضروريات فحسب, بل علي ما هو أسمي بما يحقق للإنسانية إنسانيتها من الإحساس بالجمال.. الخالق المصور الذي يسخر قرآنه من الذين ينظرون بسطحية ولا تتعمق نظرتهم إلي بصيرة: وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون.
الخالق المصور الذي نتعرف من قرآنه علي النور والسواد والظلال والألوان بدرجاتها, فتأتي كلمة النور في القرآن تسعا وأربعين مرة.. يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره, وتأتي كلمة ظلام في القرآن ستا وعشرين مرة مثلما في قوله تعالي وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون.. وبين النور والظلام يقع الظل, وقد وردت الكلمة ومشتقاتها في القرآن الكريم أربعا وعشرين مرة مثلما في قوله تعالي ألم تر إلي ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا ثم جعلنا الشمس عليه دليلا ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا.. وقد أصاب المفكر الإسلامي سيد قطب حين قال في كتابه التصوير الفني في القرآن الكريم: إن التصوير هو الأداة المفضلة في أسلوب القرآن, فهو يعبر بالصورة المحسوسة المتخيلة عن المعني الذهني, والحالة النفسية, وعن الحادث المحسوس, والمشهد المنظور.
الخالق المصور الذي ذكر قرآنه الألوان ومشتقاتها مثالا لقوله تعالي يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس, فذكر الأصفر خمس مرات كقوله من سورة البقرة: قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين.. وجاء ذكر اللون الأخضر ثماني مرات كما جاء في سورة الكهف: ويلبسون ثيابا خضرا من سندس واستبرق.. وجاء ذكر الأزرق مرة واحدة في سورة طه: يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا.. والأحمر مرة واحدة في سورة فاطر: ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود..
الخالق المصور الذي يرشدنا إلي أن الجمال ليس فقط جمال الشكل بل هو أساس السلوك والمعاملة, فالصفح جميل, والصبر جميل, وحتي الهجر لابد وأن يكون هادئا لينا سلسلا جميلا..
قال في الصفح: وإن الساعة لآتية فاصفح الصفح الجميل..
وفي الصبر قال: فاصبر صبرا جميلا.
وفي الهجر قال: واصبر علي ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا..
نقلا عن جريدة الأهرام


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.