دون ترتيب, تصادف أنني استقبلت يوم الثلاثاء الماضي في الأهرام ستة من أبرز شباب ثورة25 يناير علي التوالي, وكان الجزء المرتب الوحيد في هذه اللقاءات هو أنني حرصت علي أن يلتقي آخر زائرين بالزائرين اللذين سبقاهما في تلبية الدعوة, وذلك بعلم الجميع, وكم كانت مفاجأة سارة ومقلقة في آن واحد, أنهم جميعا تبادلوا التعبير عن الإعجاب, والتأييد, بل تبين أن البعض يعرف الانجازات المهنية للبعض الآخر منذ ما قبل الثورة, وذلك من خلال العالم الافتراضي عالم الإنترنت وتطبيقاته العديدة, ولكن ما كان ولا يزال مقلقا هو أن هؤلاء الثوار جميعا لا تربطهم علاقة تعارف شخصي, ولا ترابط تنظيمي كاف, ولا تفاعل فكري مباشر رغم مرور ما يقرب من ثلاثة أشهر الآن علي تفجيرهم لأعظم ثورة شعبية في تاريخ مصر المكتوب. كان الدكتور مصطفي النجار أحد أشهر شباب الثورة منذ أيامها الأولي, والأستاذة سلمي الدالي أول من تشرفت باستقبالهما, في موعد تأجل ثلاثة أيام لأسباب خارجة عن إرادتهما, وجاءا بصحبة الزميل يحيي غانم الذي شاركنا اللقاء, أما الزائران التاليان فكانا الأستاذ جهاد سيف الإسلام منسق ائتلاف الوعي المصري, والأستاذ أحمد رحاب الذي يقيم في الولاياتالمتحدة ويعمل فيها مساعدا للبروفسور المصري الشهير شريف بسيوني أستاذ القانون الدولي ومؤسس ورئيس منظمة كير التي ترعي المصالح العربية والمصرية والإسلامية هناك, وكان الأستاذ رحاب قد أتي إلي مصر للمشاركة في الثورة بعد اندلاعها, وحين التقينا كان علي أهبة العودة مؤقتا إلي الولاياتالمتحدة, وأما الضيفان اللذان التقيناهما في الأهرام, فكانا الدكتور عصام النظامي الأستاذ المساعد بكلية طب القاهرة وعضو اللجنة التنسيقية للثورة, والأستاذ طارق زيدان عضو اللجنة نفسها ومنسق ائتلاف شباب ثورة مصر. بالطبع كان لكل زيارة هدف رئيسي يختلف عن الهدف من الأخري, وسيعرف كل شيء في حينه علي صفحات الأهرام, وغيرها من الصحف, ولكن ما يهمنا, وما سوف نركز عليه اليوم هو خلاصة الحوارات التي دارت مع الجميع, وبينهم, إذ علي الرغم من أنها بدأت بوصفها مناقشات جانبية, فإنها تحولت في رأيي إلي أهم ما في الزيارات الثلاث. السؤال الأول الذي فرض نفسه علي الجميع, كان: ما هي الخطوة التالية لشباب الثورة؟ لكن من جانبي سألت الجميع هل بينكم من يعرف الخريطة الكاملة أو شبه الكاملة لائتلافات وتنظيمات شباب ثورة25 يناير, لأنني شخصيا, لا أعرف إلا أقل القليل عن هذه الخريطة, وأظن أن غالبية المصريين العظمي مثلي في ذلك, فكم عددها الحقيقي؟ وكم عدد الأعضاء الناشطين, إن لم نقل المسجلين, في كل ائتلاف؟ وما هي الاختلافات السياسية الجوهرية بينها, علي الرغم من أنها كلها تنتمي إلي تيار الوسط بمفهومه السياسي الواسع؟ كما سبق لكاتب هذه السطور القول هنا في الأسبوع الماضي. علي أي حال اتفق الجميع علي أنه لا توجد أجابة يعتد بها الآن, وتطوع أحد الضيوف مشكورا أن يقدم هذه الإجابة في صورة جهد بحثي موسع وموثق قدر الإمكان للنشر في الأهرام, كما اتفق الجميع علي أن بين هذه الائتلافات ما يشبه الأحزاب الكرتونية في ظل النظام السابق, وعلي أن منها ما ظهر ركوبا للموجة, ولكننا ومحاورينا من الشباب اتفقنا علي أن هناك بصفة عامة نقصا تنظيميا مقلقا بين عموم شباب الثورة, وداخل بعض الائتلافات الكبيرة نفسها, وكان الدليل العملي علي ذلك باديا في جلستنا تلك, فلم يكن جهاد سيف الإسلام ومصطفي النجار وسلمي الدالي يعرفون بعضهم إلا بالأسم فقط, ولم يحدث اتصال مباشر من أي نوع بين جهاد, ومصطفي إلا عبر محادثة هاتفية في الأيام الأولي للثورة تذكرها جهاد, ولم يتذكرها مصطفي, أما أحمد رحاب فلم يكن يعرفه أحد ولم يعرف أحدا من الجالسين سوي جهاد بالطبع. ينبغي ألا يفهم من الملاحظة السابقة أنه كان عيبا ألا يعرف الثوار أو قياداتهم علي الأقل بعضهم البعض بصورة مباشرة قبل الثورة, أو في أثنائها, فلم يكن معقولا أن يتعارف الملايين جميعا بأشخاصهم, وبالقطع كانت هناك مجموعات كبيرة متعارفة ومتفاعلة, وإلا من أين جاءت هذه القدرة الفائقة علي الحشد والتحريك؟ ولكن العيب هو ألا تتطور هذه القدرة حتي الآن إلي كيانات تنظيمية تحفظ أولا هذه القدرة علي الحشد والتحريك, وتحولها ثانيا إلي طاقة فعل سياسي مستمر يمتد إلي كل أنحاء مصر من خلال العملية الديمقراطية المنشودة, إضافة إلي أن ظهور هذه الكيانات المنظمة سوف يساعد الجميع علي فهم اختلافاتهم السياسية, وعلي تصنيف القريب والأقرب فكرا ومنهجا, وكذلك معرفة البعيد والأبعد فكرا ومنهجا, وبذلك يساعد هذا التصنيف الناخب العادي في عملية الاختيار, كما أنه سوف يجبر القوي والتنظيمات التقليدية علي مزيد من الحركة والوضوح.. وكل هذه مكاسب للبلاد, وللثورة. وهنا لابد من إضافة لما كان الأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل قد شخص به بدقة إحدي المشكلات الكبيرة في ثورة25 يناير, في سلسلة أحاديثه الأخيرة للأستاذ لبيب السباعي, وهو أن قوي الثورة الثلاث الشباب والشعب والقوات المسلحة كانوا غرباء عن بعضهم البعض, والإضافة التي نقصدها هي أن قوي الشباب نفسها لا يزالون غرباء عن بعضهم البعضس. , هذا الرأي كل من مصطفي النجار, وسلمي الدالي, ويحيي غانم, واتفقنا جميعا علي الاستشهاد بنموذج الثورة الفرنسية الكبري, التي بدأت مثل ثورة25 يناير المصرية, بعمل احتجاجي تلقائي تطور بسرعة إلي ثورة كبري, ولكن لم تكن هناك في الحالتين تنظيمات جاهزة لقيادة الثورة, وإن كان هناك مخاض فكري واحتجاجي دافق هو الذي أنجب الثورة في الحالتين, فتردت الثورة الفرنسية في هاوية سحيقة من الفوضي والإرهاب, هددت وجود الدولة نفسها, حتي ظهر الملازم أو المغامر الكورسيكي الذي أصبح فيما بعد الإمبراطور نابليون بونابرت, ليعيد الاستقرار والنظام, ولكن ليخون أيضا مباديء الثورة, ويحطم روحها, لكننا اتفقنا أيضا علي أن دخول القوات المسلحة إلي معترك ثورة25 يناير المصرية كطرف أصيل فيها, لم يضمن حماية هذه الثورة فقط, ولكنه يكفل أيضا حماية الوطن كله من الانزلاق إلي تلك المهاوي السحيقة التي تردت فيها الثورة الفرنسية, ومن ثم يوفر الفرصة الكافية لتدارك الفقر التنظيمي السابق علي قيام الثورة, وهنا تقع المسئولية علي الشباب قبل غيرهم, باعتبارهم أصحاب المبادرة, وإقرارا بأنهم ليسوا في حاجة إلي دروس ومواعظ من الأجيال السابقة عليهم, حتي وأن كانت قد التحقت بثورتهم, وساهمت في إنجاحها, لكن يبقي الجميع في حاجة إلي التفكير المشترك بصوت عال, ودون صخب أو تناحر أو تنابذ, فالتفكير المشترك والحوار بين كيانات تنظيمية هو وحده الذي يضمن عدم تحول الخلافات الطبيعية إلي انقسامات واتهامات بالتخوين, ودعوات إلي الإقصاء. كان هذا التشخيص موضع اتفاق أيضا مع الدكتور النظامي والأستاذ طارق زيدان في اللقاء التالي بحضور الزميلين عبد المحسن سلامة وعبد العظيم الباسل, لكن النظامي وزيدان بديا أكثر قلقا من الجميع من اختراقات خارجية لبعض التنظيمات تستهدف إضعاف مصر أو تقسيمها طبقا لمعلومات خاصة لديهما. أما الثنائي جهاد سيف الإسلام, وأحمد رحاب فقد اختلفا معنا في ترتيب الأولويات, ففي رأيهما أن الخطوة أو الخطوات الأهم هي نشر ثقافة الثورة الديمقراطية والتوعية بها في كل شبر من أرض مصر, وذلك حتي يعرف الناخب لماذا يختار هذا أو ذاك من الأشخاص أو البرامج, وبذلك فهما من الداعين إلي الدستور أولا, أي الدستور قبل الانتخابات, ولعل هذا يفسر لنا لماذا اختار جهاد ورحاب وزملاؤهما تعبير الوعي المصري اسما للائتلاف الذي ينتميان إليه, علما بأن هذا الائتلاف وطبقا لقولهما يعد من أفضل الائتلافات الشبابية تنظيميا, حيث ينشط في إطاره52 ألف شاب في12 محافظة مصرية. وهذه الملاحظة الأخيرة عن القوة التنظيمية لائتلاف الوعي المصري قادت النقاش تلقائيا إلي اكتشاف أنه لا يوجد تعارضص أيضا وبنفس الدرجة علي نشر ثقافة الثورة الديمقراطية, وهنا تقدم الأستاذ أحمد رحاب باقتراح الدعوة إلي تشكيل مجلس نواب شبابي, ثم تطور الاقتراح بتداعي الأفكار إلي دعوة كل الائتلافات لاختبار قوتها التنظيمية بالشروع فورا في التحول إلي تنظيمات أو أحزاب سياسية رسمية, وكان النجار بالذات متفائلا بحزب شبابي جديد سوف يعلن انطلاقه قريبا, وفي هذه اللحظة بدا لي أن أستأذن في اختتام الحوار مع الثوار بملاحظة مهمة من ثورة الشباب في أوروبا عام1968 وهي أنه ليس صحيحا أن علي الشباب أن يبقوا فوق فكرة الأحزاب, أو عابرين لهذه الأحزاب كما يقول البعض, لأن شباب الثوار في أوروبا اكتشفوا بعد وقت طويل أنهم نجحوا فقط في تغيير أو نسف بعض القيم الثقافية والسياسية السائدة ولكن عليهم أن ينخرطوا في العملية السياسية من خلال أحزابهم الجديدة أو من خلال الأحزاب القائمة القريبة من أفكارهم, لكي يغيروا تركيبة السلطة السياسية نفسها, وكان المثال الأقرب إلي ذاكرتي علي صحة ملاحظتي الختامية هو أحزاب الخضر في أوروبا خاصة ألمانيا, فهذه الأحزاب وغيرها من أحزاب السلام أقامها ثوار الشباب عام1968, ووصلوا بها إلي المشاركة في السلطة علي المستويات المحلية, والقومية, وعرفنا من خلالها مثلا ذ أقصد يوشكا فيشر وزير خارجية ألمانيا الأسبق, لكن بقية رفاقه منتشرون في البرلمانات والحكومات المركزية, والمحلية في أنحاء أوروبا, كما يجب أن لاينسي شبابنا أن الرئيس الأمريكي الألمع بيل كلينتون وجيله من زعماء الجناح الليبرالي في الحزب الديمقراطي الأمريكي كانوا أيضا من ثوار.1968 نقلا عن جريدة الاهرام