تشهد الساحة السودانية حالياً حراكاً سياسياً غريباً مشبوهاً وغير مسبوق. بهدف تقسيم المقسم وتفكيك المفكك.. وهذا يستدعي طرح تساؤل كبير. لماذا السودان. ولماذا في هذا التوقيت بالذات. ولصالح من زيادة شقة الخلاف بين الأشقاء. وإشعال نار الفتن. والبلد مقبلة باختياره علي إجراء الاستفتاء بين الشمال والجنوب طبقاً لاتفاقية نيفاشا. إلي جانب تعظيم قضاياه الفرعية علي نظيرتها المصيرية.. الجواب ببساطة لصالح القوي الاستعمارية التي تلهث وراء ترويع الآمنين. وتفتح الباب أمام إسرائيل كي تمارس دورها في الفساد والإفساد وتقويض قواعد الاستقرار في المنطقة العربية. وابتزاز ثرواتها. والتسلل إلي قلب القارة السمراء ومنابع النيل - والدليل علي ذلك الدور المشبوه الذي بدأته منذ خمسينيات القرن الماضي. ومازالت تلعبه حتي الآن خاصة في الجنوب السوداني. وتشجيع الحركات الانفصالية. وإشعال الفتن المتحركة في دارفور وكوردفان مستفيدة من تجربة الغرب في إقليم كوسوفو بجمهورية يوغسلافيا السابقة. وتشير كل الدلائل أن إسرائيل قد قامت في السنوات الأخيرة بإمداد جنوب السودان بالمساعدات الفنية والتقنية واللوجستية والأمنية. إلي جانب إنشاء محطات الاتصال في الدول المجاورة باعتبار أن الجنوب هو مفصل طرق بين عشر دول إفريقية في مقدمتها دول حوض النيل التي تعتبرها إسرائيل ودول الغرب رءوس حربة في جنب السودان. وخنجر في خصر دول المصب. وأرض خصبة في زرع الفوضي الهدامة. تلك الآلاعيب الشيطانية كان من نتائجها تشجيع حركات التمرد علي الشرعية التاريخية والجغرافية وزعزعة الاستقرار في الدول الإفريقية.. ولقد سبق لرئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق بن جوريون تبني موضوع التغلغل الهصيوني في قلب منابع النيل تحت شعار لا مفر من وضع القدم في تلك المنطقة. وإثبات أن لإسرائيل الحق في تلك المياه. وحتي الآن لا تخفي إسرائيل اطماعها في مياه النيل. بل وتعلن علي الملأ أنه من حقها اعتماد كل الوسائل لتقنين هذا الحق. رغم علمهم بأن مياه النيل خط أحمر لن يسمح لأحد من خارج القارة التحدث عنه أو محاولة اللعب في مصادره مهما بلغت مؤامراته باعتباره استراتيجية أمن قومي لدول المنبع والمصب. ويجري رصد التحركات الأمريكية والغربية والإسرائيلية وما تقيمه تلك الدول من السدود لتخزين مياه النيل لأن المسألة مسألة حياة أو موت. كلمة أخيرة: أمام تلك المحاولات الاستعمارية لم يعد أمام دول حوض النيل من سبيل سوي الإعلان صراحة بمعارضتهم لكل ما يجري من تخريب العلاقات الحميمية بين الأشقاء الأفارقة. والوقوف بحزم أمام محاولات تفتيت العلاقات التاريخية والثقافية. إلي جانب دعم الموقف السوداني خلال عمليات الاستفتاء وترجيح الوحدة علي الانفصال حفاظاً علي بقاء السودان الموحد قوة لإفريقيا وللمنطقة العربية والشرق الأوسط بصفة عامة. واعطائه الفرصة للملمة أوراقه وإعادة ترتيب بيته وتعزيز موقفه.. ولكل حادث حديث.