كانت شبه مفاجأة للكثيرين ان يتم انتخاب عبدالباسط سيدا رئيسا للمجلس الوطني السوري المعارض خلفا لبرهان غليون في الساعات الأولي من صباح الأحد الماضي. فقد توقع كثيرون أن يكون بديل غليون - الاستاذ في جامعة السوربون - عربيا مثله حيث ينتمي غليون إلي احدي العائلات العريقة في حمص كما ان العرب يشكلون غالبية سكان سوريا. لكن المفاجأة لدي البعض أن يتم اختيار سيدا الكردي 56 سنة رئيسا للمجلس ويمكن أن يكون رئيسا لسوريا في حالة سقوط نظام بشار الأسد.. لكن في الحقيقة لا يوجد في الأمر ما يبعث علي الدهشة. فالمفروض ان المجلس الوطني السوري يتعامل مع جميع الأطياف علي قدم المساواة. لا فرق بين عربي أو غير عربي أو مسلم أو غير مسلم. ولا عبرة بأن يكون سيدا من الأكراد الذين يشكلون 9% فقط من سكان سوريا لأنهم جميعا مواطنون. والمجتمع السوري يتميز بقدر كبير من التنوع العرقي والقومي والمذهبي وان كان ذلك بدرجة أقل من العراق ووجود رئيس غير عربي لسوريا ليس أمرا غريبا فالرئيس السوري الراحل شكري القوتلي 1886 - 1967 ثاني رئيس لسوريا بعد استقلالها والذي حكمها تسع سنوات علي فترتين 1943 - 1949 و1955 - 1958 كان تركمانيا. لكنه كان مؤمنا بالعروبة وهو الذي وقع اتفاقية الوحدة مع مصر عام 1958 وتنازل وقتها للرئيس الراحل جمال عبدالناصر عن رئاسة الجمهورية العربية المتحدة. تصالحي ونزيه وفيما عدا ذلك لا توجد مفاجأة. ذلك ان عبدالباسط سيدا أستاذ التاريخ والحضارة المقيم في السويد منذ عشرين عاما عضو نشط في المجلس وان لم يكن بارزا وهو صاحب مؤلفات عديدة في المسألة الكردية والفكر العربي. ويصفه أعضاء المجلس بأنه رجل "تصالحي" و"نزيه" و"مستقل" ويقول عنه آخرون انه لا يملك خبرة سياسية كبيرة لكنه يلقي قبول الجميع. وقال مسئولون آخرون في المجلس ان سيدا يتميز بصفتي المعارض الذي لا ينتمي إلي أي حزب والكردي المعتدل ويستفيد بالتالي من وضعه كمستقل ويعد سيدا من مؤسسي المجلس الوطني في أكتوبر من العام الماضي وهو عضو في المكتب التنفيذي للمجلس ورئيس مكتب حقوق الإنسان فيه. وقد ولد سيدا في العام 1956 في مدينة عامودا في محافظة الحسكة ذات الغالبية الكردية وحصل علي دكتوراه في الفلسفة من جامعة دمشق. وانتقل بعد ذلك إلي ليبيا حيث يعمل في مجال التدريس الجامعي لمدة ثلاثة سنوات قبل أن يتوجه إلي السويد في 1994 لتدريس الحضارات القديمة منصرفا إلي العمل الأكاديمي والأبحاث والكتابة. ويوضح سيدا انه قام لفترة طويلة بالعمل السياسي السري ضد النظام السوري الذي يسيطر عليه حزب البعث منذ اكثر من اربعين عاما وكان ناشطا في الحركة التي تطالب بحقوق اكراد سوريا. ويقول انه كان من دعاة الحل الديمقراطي العادل للمسألة الكردية في سوريا ضمن اطار النظام التعددي الذي يحافظ علي وحدة سوريا أرضا وشعبا وبعد انتقاله إلي أوروبا بقي ناشطا مستقلا يدافع عن الحقوق الكردية وحضر مؤتمرات عديدة ولقاءات في أوروبا في هذا المجال ويصفه اصدقاؤه بأنه "هاديء الطباع ومتزن". وهناك من المعلقين من يري ان سيدا يستحق الشفقة وليس التهنئة فهو يتولي رئاسة المجلس في ظروف دقيقة فالثورة ضد نظام الأسد تتصاعد والقمع الوحشي يتصاعد بدوره ويسقط عشرات الضحايا كل يوم. هذا فضلا عن المصابين وما يلحق بالمدن من دمار وبات المجلس نفسه هدفا لانتقادات عنيفة حتي في صفوف المعارضة السورية نفسها فهناك من يتهمه بتحريض المواطنين السوريين علي الثورة وتركهم يواجهون بطش النظام النصيري بهم لأنهم يقيمون في أمان مع أسرهم في منافيهم الاختيارية ووصل الأمر إلي أن يتهم قادة المعارضة في الداخل قادة المجلس وغيرهم من المعارضين في الخارج بتنفيذ اجندات اجنبية. كما بدأت الثورة علي نظام الأسد تفقد قدرا من التعاطف الاقليمي والدولي بل وحتي المحلي سواء بحق أو بدون حق فأعمال العنف والعقوبات الاقتصادية المفروضة علي نظام الأسد لم تضعفه وإنما ادت إلي تدهور اقتصادي خطير يكتوي المواطن السوري بناره. ولعل آخر الأمثلة علي ذلك التقرير الذي خرج من حلب المعروفة بعاصمة الصناعة في سوريا حيث بدأت مصانع كثيرة تغلق أبوابها وتسرح عمالها بسبب عجزها عن تصريف انتاجها محليا لتراجع القوي الشرائية وخارجيا بسبب العقوبات المفروضة علي سوريا كما انتشرت الجريمة بمعدلات خطيرة. وقد نجح النظام النصيري في الاساءة إلي ثورة الشعب السوري بعدة طرق منها اثارة قضية الضغوط التي يتعرض لها المسيحيون لعدم المشاركة في الثورة ضد نظام الأسد واجبار عشرة آلاف منهم علي النزوح من حمص واثارة قضية اختطاف الحجاج الشيعة اثناء عودتهم من العراق كما لعب نظام بشار الأسد جيدا بورقة رفض المعارضة الاصلاحات السياسية المقترحة وحتي دول الغرب نفسها بدأ بعض مسئوليها يشككون في حقيقة نوايا المعارضة ويحملونها جزءا من المسئولية عن معاناة الشعب السوري.