مرة أخري تعود مصر إلي الميدان.. تعود إلي اللحظة الثورية التي يعلو فيها صوت الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.. وتعود إلي اللحظة الوطنية التي تجتمع فيها الأيادي لتصبح يداً واحدة.. وتجتمع فيها كل الهتافات لتصبح هتافاً واحداً.. هذه لحظة التوحد التي تذوب فيها الألوان والأطياف ليظهر من جديد وجه مصر الواحدة بعد طول انقسام. فرصة أخري جاءت بالقوي الثورية إلي الميدان وايقظت النائمين والغافلين.. واقنعتنا من جديد بأن الميدان هو الأصل هو الحمي.. وأن وحدة القوي الثورية هي مصدر قوتها في مواجهة بيروقراطية الدولة العميقة التي أثبتت التجارب أنها لا تقل خطراً عن مؤامرات الثورة المضادة. لكن السؤال المطروح دوماً في مثل هذه الظروف هو: هل تدرك القوي الثورية أهمية اللحظة وتمسك بها أم ستتركها تفلت من يدها كما أفلتت لحظات كثيرة وفرص كثيرة من قبل كانت قد اجتمعت عندها ولكن لم تمكث طويلاً وما لبثت ان تفرقت وتشتت.. بل وتصارعت فيما بينها كأنها لم تكن في يوم من الأيام معاً في خندق واحد. الوطن الآن يحتاج إلي اجتماع القوي الثورية.. والمستقبل يحتاج إلي اجتماع القوي الثورية.. ليس فقط لمواجهة الحكم في قضية قتل المتظاهرين السلميين وإنما لما هو أكبر من ذلك.. فالبلد يواجه حملة شرسة من الأكاذيب وقلب الحقائق يهدد مسار الثورة.. بل لا أبالغ إذا قلت إن الحملة وصلت إلي التشكيك في الثورة وفي أهدافها وسحب الشرعية الشعبية عنها لتبدو كما لو كانت مجرد هوجة تمرد أو انقلاب فوضوي. لذلك لابد ان تجتمع القوي الثورية معاً "إيد واحدة" وتستعيد روح الميدان وتنهي حالة التفكك والتشرذم.. الفرصة متاحة.. والأمل كبير.. والعبرة بمن يمسك بهذه اللحظة الوطنية لتعظيمها ومدها علي طول المشهد وعرضه حتي تغطي الوطن بأكمله.. وتتحول من لحظة طارئة عفوية إلي حالة دائمة قائمة. لو تنازل كل فصيل عن بعض طموحاته وتطلعاته الآنية وعن شكوكه في الآخرين فسوف تنتقل وحدة الميدان إلي وحدة البنيان ووحدة العمل والاتجاه لتشييد المؤسسات الديمقراطية للجمهورية الثانية علي أساس من التوافق والثقة المتبادلة وكفانا ما ضاع من عمر الثورة في صراعات جانبية شوهت الجميع.. وجعلت أعداء الثورة يطمعون فيها ويستهينون بها.. بل وصل الأمر ببعضهم إلي أن يتحدوها ويعلنوا رفضهم لها. خصوم الثورة قادرون ومقتدرون.. ومتغلغلون في مفاصل الدولة.. ويتحينون الفرصة للانقضاض علي القوي الثورية.. وهم - بالمناسبة- لا يستثنون فصيلاً دون الآخر من هذه القوي.. ومازالت تداعبهم أحلام العودة إلي السلطة والفساد بعدما خرجوا من الجحور وسوف يرتبط مستقبل الثورة وإنجازاتها بقدرة القوي الثورية علي أن تعود صفاص واحدا رغم اختلاف مشاربها الفكرية واختلاف توجهاتها.. إن نجحت هذه القوي في ذلك نجحت الثورة ورفعت لواءها وكتبت تاريخا جديداً لمصر وإن فشلت- لا قدر الله- انتكست الثورة وفقدت روحها وكان علينا أن ننتظر ثلاثين عاماً حتي تقوم في مصر ثورة أخري.