لا أحد يستطيع أن ينكر أو يقلل من الموهبة الشعرية عند الأديب بديع صقور. والمسلم به غزارته الأدبية الابداعية. ومؤلفاته بتوالي صدورها تباعا كحال الشهور والفصول في العام. وكل واحد منها له بصمته وأثره في تغذية الحراك الثقافي. وفي إضافة لبنات تحديثية معاصرة. وأمسياته الشعرية تجاوزت المحلية.ووصلت إلي صنعاء وتونس والجزائر وطهران. في ديوانه الشعري الجديد: "يحدث في السهل البعيد" الذي صدر عن دار الحارث مؤخرا والي جاء في 192 صفحة من الحجم الوسط تنعكس إرادة الشاعر وتطلعاته وعواطفه النبيلة وصدقيته في التواصل والتعبير بأمانة عما يحس به.. فيعيش قضايا واقعة ومن حوله وبمسئوليه. يتعامل وبالتالي يعبر ببساطة فأعماقه مسكونة بطيبة ابن الأرض الذي لا يمل التعب ويحلم باستمرار. تجده يغرص هنا ويقلم هناك. ينتزع صخرة عصية. يمهد الأرض والسواقي. إنها إرادة التحدي والعطاء والرهان علي المستقبل المنشود. تجد مفرداته الشعرية بسيطة وسهلة ومتوهجة. تنتقل ببراعة النحلة فتمتص رحيقها دون شراهة لتعطي الآخرين وتجيب عن زسئلتهم الصعبة. ينتقل من البيت الريفي الذي يدلف سقفه إلي المصطبة وخيوط الشمس الذهبية فالحقول والتنور والمطر ورائحة الأرض المبللة. فالرياح والغيوم والعواصف والأنهار والبحر. وهي مجتمعة تعبر عن داب الناس لتأمين احتياجاتهم الضرورية ولبناء حياة كريم. يبهجك حسه المرهف حين يتغني بالحب. ويبهجك أيضا تعبيره عن الأصدقاء والصداقة فالطهارة مجبولة بحروفه ومعانيها الكبيرة. إنها من أقوي العواطف الانسانية. تطل موهبته الشعرية عبر قصائده المكثفة لتقول: لا يزال الشعر الوسيلة المثلي للتعبيرعن حقيقة الانسان ومأساته وغضبه وفرحه ومعاناته وتوقه للحرية والعدالة. الشعر عند بديع صقور أشبه بالمياه المتدفقة من الينابيع الصافية إنه الشعر المحاكي لملح الأرض. أما السر في هذه القوة. فيكمن في الحرص علي إعادة الأهمية للشعر الحديث. إنه الطموح في ارتياد مسالك إبداعية جديدة الموسيقا في شعر بديع صقور صاخبة وهادئة في ان معا. كحال الصور الشعرية الواقعية في قصائده. تدفع بالقاريء والمستمع إلي فضاءات رائعة. مؤكدة أن الشعر الحديث يثبت كل يوم حضوره القوي. ومشروعية تطلعه إلي الذرا المتقدمة.. إنه الشعر النيف الصادق.. فقصائده تعبر بأمانة عن الوعي السياسي والاقتصادي والاجتماعي المتقدم لمبدعها. عاكسة التزامه وحرصه علي التجديد المعاصر. اللافت في مضامين قصائده.. البساطة والواقعية دون تكلف فعفويته تجعلك تعيش الأشياء لاتتذكرها. إنه لا يتبرأ من المواقف السياسية ومستجداتها وتطوراتها. كحال انهماكه بالمسائل الاجتماعية. فمفرداته تصوير أمين لما يعيشه الناس من حوله.. إنها المشهد الصاخب الواقعي للانتصارات والخيبات والانكسارات. الديوان الجديد لصقور يتضمن قصائد. بعضها يعود إلي مطلع سبعينيات القرن الماضي.. وكتبها علي طريقة الفنانين التشكيليين "اسكتشات".. وتركها علي حالها. ولم يضف أو يطور فيها أي شيء. ولسان حاله لعله تاريخ لحياة الأديب وعفويته بالاضافة لقصائد كتبها في السنوات القليلة الماضية. صبر بديع صقور الكير يؤكد أنه لا يتذمر ولا ينفرد من طبيعة الريف القاسية. بل إن قصائده تجمل عالم الريف المرهفق والغني.. في فاتحة ديوان صقور الجديد. يحدث في السهل البعيد. تلمس القسوة السوداوية الطاغية فيقول: آخر القدماء.. أول الغرباء.. ممرات تفضي إلي درب تبانة اخر.. الدرب هو الدرب.. من قال إن عروقنا جفت؟! إلي متي ستل أرواحنا هائمة في تجعدات الغيم.. تبحث عن سماء أخري ودرب تبانة آخر؟! أما قصيدة نحو بوابة الوداع فقد تألق بديع صقور بواقعيتها ورومانسيتها: في وهج الحلم فوق لال الموج زفرات تستيق.. فاطمة ويرن الخلخال.. أما قصيدته الموجعة فأثرها يتجذر بأعماق القاريء: "آخر الهدايا من الدنيا كفن.. آخر البيوت قبر.. آخر الدرب.. تاني بعدك.. يأتون بعدنا.. بكامل غربتنا.. بكامل صمتنا.. في تربة السهل نذوب". وتقديري أن هذه القصيدة جاءت نتيجة تأثر الأديب صقور بفقدان العديد من الأصدقاء والأدباء والشعراد في السنوات القليلة. وهكذا تتوالي قصائده: نحو بوابة الوداع من سيدفن الحمام القتيل فقط علينا أن نتذكر إلي أن نصل إلي قصيدته الأخيرة: قبل أن نضيق الجهات علي الياسمين. أخيراً نشير إلي أن بديع عدا عن كونه شاعرا فهو قاص وباحث وعضو اتحاد الكتاب العرب. من أعماله المطبوعة: مرفا طائر الهيرة شمال المغيب خريف المطر طقوس الغريب الأعمال القصصية.