نحمد الله علي عودة بعثة النادي الأهلي بالسلامة من مالي بعد أيام الحصار القصري في العاصمة باماكو بسبب الانقلاب المعاكس علي القوات الانقلابية. والصراع السياسي والعسكري. الذي أتبعه غلق المجال الجوي. ومنع الرحلات الجوية من وإلي مالي.. أيام عصيبة بحق. ولكنها للأسف تتكرر كثيراً في البلدان الأفريقية التي مازال أغلبها يعيش صراعات سياسية. تغلب عليها الطبيعة القبلية السائدة في معظم الدول الأفريقية. عدا الشمالية منها.. وحصار مالي. لم يكن الأول الذي عاني منه فريق النادي الأهلي.. فقد مر الفريق بظروف مشابهة قبل حوالي 20 عاماً. وهذه المرة في العاصمة الايفوارية "ابيدجان".. وبالطبع لم يكن مع الفريق أي من لاعبي اليوم. ولا من أعضاء الجهاز التدريبي والإداري الحالي مثل سيد عبدالحفيظ وأحمد ناجي ومحمد يوسف.. وكان الأهلي قد سافر إلي ابيدجان لأداء مباراة الاياب مع أفريكا سبورت في البطولة الأفريقية. وبصحبة الفريق بعثة إعلامية وصحفية كبيرة تضم الأساتذة ماهر فهمي مدير تحرير مجلة اكتوبر السابق وحسام فرحات رئيس شبكة الشباب والرياضة السابق وعلي بركة الزميل بالقسم الرياضي بالأهرام. وزملاء آخرين لا تسعفني الذاكرة بهم. والعبد لله.. وبمجرد وصول البعثة إلي ابيدجان فاجأنا سفيرنا في ذلك الوقت عبدالمنعم سعودي. بأن البلاد في حالة توتر خطير لأن الرئيس هيفوية قد مات في باريس. ولم يتم الاعلان عن وفاته. وإن هناك صراعاً خفياً بين رئيس الوزراء الذي ينتمي لأقوي القبائل في ساحل العاج وبين قادة الجيش العاجي للاستيلاء علي السلطة. الكل قبل الآخر.. أي أننا لابد أن نتوقع انقلاباً عسكرياً بين اللحظة والأخري.. وعشنا من اللحظة الأولي حالة من القلق والتوتر وانتظار ماهو اسوأ.. وكانت تعليمات رئيس البعثة في هذه الرحلة سفير نور عضو مجلس الإدارة السابق ومعه طارق سليم مديراً للكرة والانجليزي هاريس مديراً فنياً.. كانت التعليمات عدم مغادرة الفندق إلا للتدريب فقط.. واتفقنا كصحفيين وإعلاميين علي عدم نقل حالة التوتر والخطر المحدق بنا إلي القاهرة في رسائلنا اليومية لتفادي نقل هذا التوتر إلي جماهير الكرة في مصر وذوي اللاعبين.. وكانت المشكلة أن رحلة البقاء في ابيدجان طويلة. وكان محتماًً أن يبقي الفريق بعد المباراة لمدة خمسة أيام أخري. حتي موعد رحلته المباشرة علي الطائرة المصرية المباشرة من ابيدجان إلي القاهرة.. ومضي يومان في تدريبات استعداداً للمباراة. واللاعبون في حالة قلق وتوتر. والجميع أيضاً. حتي أن هاريس كان يفضل التدريب في حديقة الفندق الكبير. بعد أن لاحظنا تحركات عسكرية متزايدة. كمقدمة للانقلاب المرتقب. وبالتالي غلق المجال الجوي أمام عودة البعثة.. وكنا ننتظر بفارغ الصبر. ظهور السفير عبدالمنعم سعودي لينقل لنا آخر الأخبار. وما مصير البعثة إذا وقع المحظور.. وكانت أخباره مطمئنة أحياناً ومرعبة أحياناً أخري. وطبعاً هذه الأخبار المرعبة لم تكن تنقل إلي اللاعبين. فهي دائماً من نصيب إدارة البعثة والصحفيين.. ومع تصاعد الأحداث بشكل ملحوظ في العاصمة ابيدجان. وتكشف خبر وفاة الرئيس الإيفواري. زاد معدل التوتر والخوف علي الفريق.. فكان الاتفاق بين السفير سعودي ورئيس البعثة سفير نور ومدير الكرة طارق سليم علي "تهريب" الفريق بعد المباراة مباشرة إلي الحدود مع غانا "براً" ومن الحدود إلي العاصمة اكرا بالتنسيق مع السفارة المصرية في اكرا. ليستقل الفريق الطائرة المصرية من العاصمة الغانية.. أما الصحفيون والإعلاميون فلهم ربنا. وعليهم أن يتحملوا مسئولية أنفسهم في الأيام الباقية. انتظاراً لموعد عودتهم. المحدد سلفاً بعد خمسة أيام.. وفي اجواء مشحونة جداً أقيمت المباراة. وخطف محمد عبدالجليل هدفاً قاتلاً. وكان نجوم المباراة ابراهيم حسن وأحمد شوبير والليبرو محمد السيد.. وبملابس اللعب خرج لاعبو الأهلي من الاستاد إلي منزل السفير. ومنه إلي الحدود مع غانا. وفي اليوم التالي استقلوا الطائرة المصرية إلي القاهرة.. أما نحن فقد عدنا إلي الفندق. وسلمنا أمرنا لله. وتحفزنا أكثر لنعيش المغامرة والحالة الانقلابية المرتقبة.. فالصحفي المحب لمهنته يموت في الخطر ويعشق مثل هذه اللحظات غير التقليدية.. وكتبنا في رسائلنا الصحفية أسرار الأيام الماضية وأسباب عودة فريق الأهلي بشكل مفاجئ. وكيف كان الجميع في حالة رعب طوال الأيام الماضية..