في سنة 1930 عهد الملك فؤاد إلي إسماعيل صدقي باشا تأليف وزارة جديدة.. وما أن انتهي من تأليف الوزارة حتي أخذ يفكر فيما يجب عمله لكي يحقق رؤيته في محو الماضي بما له وما عليه وينظم الحياة النيابية والدستورية تنظيماً جديداً.. وادعي أنه لا يرغب في تجميد دستور 23 وتأجيل البرلمان ثلاث سنوات كما فعل سلفه محمد محمود باشا حتي لا يحرم البلاد من الحياة الدستورية.. هذا ما قاله في مذكراته.. أما الواقع فإنه أراد تغيير الدستور لصالح الملك وجاء بنصوص دستور 1930 الذي أصدره صدقي باشا عدم قيام المؤسسات النيابية بمباشرة حقوقا في الرقابة علي أعمال السلطة التنفيذية وتركيز السلطة في يد الملك وغل أيدي البرلمان في حق اقتراح القوانين وقصرها علي السلطة التنفيذية التي يتولاها الملك..! وترتب علي حكم صدقي باشا الذي دام 4 سنوات أنه أصبح ديكتاتورياً وسيئاً في علاج أمور الشعب الأمر الذي أدي إلي حدوث تقارب بين الأحزاب القائمة وعدول الملك عن تأييد سياسته وبالتالي كلف توفيق نسيم باشا بتشكيل الوزارة الجديدة في 15 نوفمبر سنة 1934 وكان الشعب والقوي السياسية تعتقد أن نسيم باشا سيلغي دستور سنة 1930 علي الفور ويستصدر مرسوماً ملكياً بذلك.. إلا أنه لم يفعل.. وظل يماطل ويسوف في أمر إعادة دستور ..23 وظل علي هذا المنوال نحو 13 شهراً.. رغم أن القصر لم يكن لديه مانع من إعادة دستور ..23 وفي إطار ذلك صرح أكثر من مرة بأنه سيتقدم بمشروع دستور وسط بين 23. 30 ولكن حزبي الوفد والأحرار الدستوريين وكانا يشكلان أغلبية في البرلمان.. أعلنوا في 13 نوفمبر سنة 1935 عدم الثقة بالوزارة والمطالبة باقالتها ومقاطعة الإنجليز وقامت علي أثر ذلك مظاهرات صاخبة في القاهرة وطنطا تصدي لها البوليس فقتل طالبين وجرح نحو 20 شخصاً.. وكانت انتفاضة قومية قوية وصدر المرسوم الملكي بعودة دستور 23 ولم يتم تغيير الوزارة إلا بعد سحب الثقة منها بنحو 80 يوماً..!! إذ تم تكليف علي ماهو باشا بتشكيل الوزارة الجديدة في 30 يناير 1936 وكانت هذه أ ول مرة يتم فيها سحب الثقة من الحكومة وتعتبر أيضا آخر مرة. فقد كان الملك هو الذي يقرر إما الإقالة أو الايعاز أو اجبار الحكومة علي الاستقالة حدث هذا عدة مرات. ففي سنة 1924 عندما شكل سعد باشا الوزارة لفوز الوفد في أول انتخابات برلمانية دستورية لم أجبر علي الاستقالة في 22 نوفمبر أي أنه لم يستمر سوي 8 أشهر.. وتبع استقالته.. منح البرلمان إجازة شهر ثم تم حله.. وأجريت انتخابات أخري بوزارة أخري ولكن الوفد حاز علي الأغلبية ولم يحقق مرشح الحكومة والملك "عبدالخالق ثروت" النجاح واضطر الملك إلي حل البرلمان في نفس يوم انعقاده. وتكررت هذه الوقائع في كل مرة تُقال فيها الحكومة أو تستقيل وفي كل مرة يخضع مجلس النواب لوقف جلساته لمدة معينة ويعقبها الحل.. وإجراء انتخابات جديدة والغريب أن معظم الانتخابات البرلمانية التي تمت في عهد الملك فؤاد وبداية حكم الملك فاروق كانت نزيهة.. وكذلك في ظل وزارة ممدوح سالم في عهد الرئيس السادات.. ولهذا فإن انتخابات برلمان 2012 لم تكن أبداً الأولي التي تمت بنزاهة وبدون تزوير. المهم.. رغم أن دستور 23 قد تضمن مادة تقول إذا قرر مجلس النواب عدم الثقة بالوزارة وجب عليها أن تستقيل أو تُقال.. وكذلك بالنسبة لأحد الوزراء.. ورغم ذلك فإن هذا النص لم يفعله الملك فؤاد مع وزارة نسيم باشا.. وفي الوقت نفسه فإن أياً من مجالس النواب الأخري لم يقم بسحب الثقة من الوزارة.. وكانت دائماً تُقال. وفي ظل ثورة 23 يوليو كانت الوزارة يتم تغييرها دون صدور أي قرار لا بإقالتها أو استقالتها.. والوزارة ستبدو الوحيدة التي أجبرت علي تقديم استقالتها هي وزارة الدكتور أحمد نظيف. وعندما تم انتخاب أعضاء مجلس الشعب الأخيرة في 2012 حاول المجلس سحب الثقة من وزارة الدكتور الجنزوري.. ولكن الإعلان الدستوري الصادر في مارس 2011 لم يعط البرلمان حق سحب الثقة من الوزارة ولم يعطه الحق في تشكيل وزارة أغلبية وبقي الصراع قائماً. وفي جميع الأحوال قرار سحب الثقة من الوزارة لا ينفذ. أو يفعل.