أذكر خريطة لشوارع الإسكندرية. وضعها أبي وسط جدار الصالة. تعلوها ساعة الحائط البندولية.. يحدها من جانبين الميناءان الشرقي والغربي. وتمتد فيها الشوارع والمربعات والمستطيلات. وتتقاطع. التغير في ظني شهدته الأحياء خارج بحري. مساحة بحري المحددة. والمحدودة. احتفظت له بطبيعته الجغرافية. غالبية الشوارع والبنايات والميادين علي حالها. التغيرات المهمة قليلة كما في ميدان أبوالعباس مثلاً لكن القسمات الأساسية للحي لم تتبدل. البحر والكورنيش والجوامع والحدائق والميادين والساحات والشوارع والحواري والأزقة وغيرها. ظلت في مواضعها تحتفظ للحي بجغرافيته. وتستعيد ذاكرته. وأن تغيظني بنايات النفوذ والفئات المرفهة. تفصل بين البحر والمدينة تقصر التطلع إلي الأفق علي أهل الحظوة. وغالبيتهم تصور! من الزوار والوافدين. وتشكل حائطاً في وجه أبناء المدينة. الإسكندرية : لا أعرف ماذا كانت تعني هذه الكلمة للورنس داريل ولا فوستر ولا كفافيس. ولا لسواهم من الشعراء والروائيين والفنانين الأجانب الذين عبروا عن سني حياتهم في الإسكندرية. أثق أن مشاعرهم لم تكن حميمة ولا أخوية. كانوا مجرد أعين راصدة. تنقل المغاير والمدهش والمثير. وإن تخلل كتاباتهم بعض المواقف الشخصية. الفنان السكندري. ابن المدينة أو الوطني الذي انتقل إلي الإسكندرية من مدينته القريبة. والبعيدة. لابد أن تختلف مشاعره تماما هنا وطنه. الإسكندرية درة مدن العالم التسمية ليست من عندي. لكنها التسمية التي حرص عليها معظم المؤرخين منذ دخلت جيوش المسلمين بقيادة عمرو بن العاص مدينة الإسكندرية. يصفها البعض بأنها أوروبية النشأة. عربية اللسان. بحرية الموقع. علي أطراف الصحراء. ومدخل لافريقية. وإذا كانت المدن كطبيعة الأمور تنمو بالتدريج. تكتسب ملامحها الأساسية بالحذف والإضافة والتبديل والتعديل. فإن الملمح الأهم في مدينة الإسكندرية قد ظهر واضحاً منذ بداية إنشائها. وكما يقول اميانوس ماركيلنوس "القرن الرابع الميلادي" فإن الإسكندرية لم تستكمل زينتها تدريجياً مثل غيرها من المدن. بل أزينت منذ إنشائها الأول بالطرق الفسيحة. وأسهم موقع الإسكندرية في تعاظم دورها الديني. فقد كانت معبراً يربط بين المشرق العربي والمغرب العربي. يفد الساعون إلي الحج علي ركائبهم. أو علي الأقدام. يقيمون في المدينة فترات. تطول أو تقصر. وربما اختاروا الإقامة فيها إلي نهاية العمر. الإسكندرية ليست مدينة واحدة. إنها عدة مدن علي المستويات التاريخية والمكانية والبشرية. إنها تاريخياً مدينة فوق مدينة. إذا نقبت في أي موضع من أرضها. فستجد أثراً فرعونياً أو بطلمياً أو قبطياً أو إسلامياً. وهي مكانياً تتمتع بكل مقومات المدينة الكوزموباليتينية. باحتضان المتوسط لها. وانتماء عمارتها إلي الحقب التاريخية التي عاشتها. واتسامها بالقيم والعادات والتقاليد التي تعبر عن تولي تلك الحقب. وهي بشرياً تحتوي مواطنيها ممن قد تمتد جذورهم إلي أصل المدينة. بالإضافة إلي أبناء المدن المجاورة كرشيد ودمنهور وكفرالدوار وغيرها. وأيضاً بقايا الأجانب من أروام وطلاينة وأتراك وإنجليز وفرنسيين وغيرهم. الإسكندرية مدينة تختصر مدناً. والعديد من الحضارات.