إلام الخلف بينكمو إلامَ وهذي الضجة الكبري علامَ وفيم يكيد بعضكمو لبعض وتبدون العداوة والخصاما هذان البيتان من شعر أمير الشعراء أحمد شوقي قالهما في مطلع إحدي قصائده منذ عشرات السنين ليعكس واقع الخلافات السوفسطانئية بين المتناحرين السياسيين في مصر. والتي لا هدف لها إلا تحقيق مصالح شخصية علي حساب المصلحة العامة للوطن. ولم يختلف الحال في مصر اليوم بعد قيام ثورة 25 يناير عما كان عليه عندما أبدع شوقي هذه الأبيات.. فمصر تموج بتيارات سياسية لا حصر لها. ولا يستطيع أي مراقب مهما أوتي من قدرة علي الاستيعاب أن يعدد أسماء وأهداف هذه التيارات. الكل باسم الثورة يتحدث.. حتي المنافقون الذين خلعوا عن أنفسهم برقع الحياء. والدجالون. والانتهازيون. ومعدومو الضمائر. وأصحاب الغرض والهوي. فاختلطت الأمور ليس علي العقلاء فقط وإنما علي الأذكياء. فلم يعد هناك فرق بين الصدق والكذب. ولا بين الحقيقة والوهم. ولا بين الغاية والوسيلة. ميدان التحرير الذي أضاء وتوهج يوم 25 يناير بالثورة الكبري ضد الظلم والطغيان والفساد اختطفه الغشاشون وسواقط المجتمع من البلطجية والمجرمين ومحترفي الدعارة. والمتسلقين علي أكتاف الثورة. وتحول إلي سوق فوضوي الكل ينادي علي بضاعته بميكرفونات زاعقة ويحاول أن يغطي علي أصوات الآخرين. فامتلأت سماء الميدان بالضجيج الذي أصم آذاننا. وكاد يصيبنا بالإغماء. هل تكون مليونية 20 أبريل هي آخر المليونيات؟! بالطبع لا.. نحن في انتظار مليونيات أخري لا حصر لها لا لشيء إلا أن كلمة "مليونية" أصبحت خمراً تسكرنا. ومخدراً يجعلنا ننتشي وهما.. وتغلغلت في نفوسنا حتي أصبحت إدماناً. مانشيتات صحيفة "الجمهورية" عن هذه المليونية نادت بوحدة الصفوف وتجاوز الخلافات.. وخطيب الميدان ومعه مجمع البحوث الإسلامية قالوا: لا فرقة ولا خلافات بعد اليوم!! وسرعان ما جاء الرد من المحافظات : السويس تهدد بثورة ثانية.. الأقصر تهتف ضد العسكر والإخوان.. دمياط منقسمة بين تأييد العسكري ومناهضته.. والسلفيون في مطروح رفضوا المشاركة.. والفيوم تحذر من الفتن.. وشباب الثورة في قنا ينسحبون من الميدان. ومانشيتات "الأهرام" تقول: روح الثورة تعود للتحرير والمحافظات بمظاهرات مليونية.. ومطالب بعزل الفلول وإقالة الحكومة.. مليونية التحرير تحذر من ضياع الثورة. ومطالب بنقل السلطة والتوافق علي الدستور. وهنا لا يتبادر إلي الذهن إلا السؤال الدارج: حد فاهم حاجة؟! لماذا قامت المليونية ولماذا انفضت؟! ما هي النتائج التي ترتبت علي شغل الميدان وتعطيل مصالح الناس؟! ما الذي عاد علي الاقتصاد المصري من هذه المليونية؟! هل اهتز المجلس العسكري وغير خطته لتسليم السلطة في 30 يونيو القادم أي بعد شهرين؟! هل ارتعشت حكومة الدكتور كمال الجنزوري وتراجعت عن محاولاتها بانعاش الاقتصاد وحل المشاكل؟! ماذا استفادت جماهير مصر في مدنها وقراها ونجوعها من هذه المليونية؟! هل عادت عليهم بخير وفير رفع من مستوي معيشتهم؟! هل فتحت هذه المليونية أبواب العمل للعاطلين الباحثين عن فرصة عمل؟!.. هل وفرت أنابيب البوتاجاز للبيوت والبنزين للسيارات.. والخبز للجائعين؟! لقد استمرأنا تعطيل مسيرة الحياة والتقدم في البلد تحت علم الثورة.. والله يعلم أن الثورة بريئة من كل هذا الغثاء. ويا ميدان التحرير.. أيها الميدان الرائع.. متي يفكون أسرك؟!