انتهت الانتخابات البرلمانية بحلوها ومرها.. نجح من نجح. وخسر من خسر.. سواء بحق. أو بدون وجه حق.. بشرف أو بأخطاء منه أو من الغير. وإذا نظرنا إلي الخريطة الانتخابية بعد الجولة الثانية للانتخابات فلن تخطئ العين حقيقتين: الأولي أن الحزب الوطني هو أكثر الفائزين في هذه الانتخابات وأن حزب الوفد هو الخاسر الوحيد فيها. *** أقول إن الحزب الوطني أكثر الفائزين ليس لأنه حصد الغالبية العظمي من مقاعد البرلمان.. ولكن لأنه نجح بامتياز في اختيار أفضل من يمثلونه في الدوائر المختلفة.. كما أن فتح الكثير من المقاعد وأحياناً العديد من الدوائر بمقعديها ساهم بشكل كبير في حصر المنافسة عليها بين الوطني والوطني. لقد استبعد الحزب الوطني من الترشيح كل من حامت حوله الشكوك وكل من كان أداؤه دون المستوي في الدورة البرلمانية السابقة وكل من افتعل قضايا ومشاكل مع الرأي العام.. ولم يستثن أحداً من ذلك. لذا.. اختار اختياراً سليماً وفق مواصفات وقواعد دقيقة. أيضا.. نجح الحزب الوطني في تعرية جماعة الإخوان المحظورة والمنحلة وكشفها أمام الناس الذين كان لديهم يقين بأن نوابها لم يقدموا شيئاً طوال 5 سنوات ولم يستطيعوا الالتحام بالناس.. بل تلاعبوا بعواطفهم ودغدغوا مشاعرهم باسم الدين.. دون أن يعملوا بهذا الدين. *** وأقول إن حزب الوفد هو الخاسر الوحيد.. لأنه بإعلان انسحابه غير المبرر وغير المستند إلي حقائق ومنطق أجهض مسعي نوابه لأن تكون في أيديهم زعامة المعارضة تحت القبة. لقد حصد الوفد مقعدين في الجولة الأولي وأربعة مقاعد في الجولة الثانية.. أي إنه حصل علي 6 مقاعد رغم إعلان الانسحاب.. ولو لم يعلن الانسحاب لكان حصل علي مقعد أو اثنين آخرين وهو نفس العدد الذي حصده في انتخابات 1995 و2000 و..2005 أي أنه لم يتعرض لظلم أو قهر أو اضطهاد.. أو مؤامرة. حزب الوفد أضر بنفسه وبنوابه عندما اتخذ إجراءين: * الأول.. عندما تحالف مع الإخوان اعتقاداً بأن هذا التحالف سيرفع عدد مقاعده ومقاعد الإخوان معاً.. ناسياً أو متناسياً انه حزب شرعي وما كان يجب عليه أن يضع يده في يد جماعة خارجة علي القانون. غافلاً أو متغافلاً أن هذه الجماعة سيئة السمعة بلا أرضية في الشارع وفشلت فشلاً ذريعاً.. بالتالي فإن الوفد عاش علي الأوهام ولم يقرأ الخريطة علي الوجه الصحيح.. وكان ذلك أول مسمار في نعشه. * الثاني.. عندما أعلن انسحابه بعد الجولة الأولي دون سند أو منطق.. بل ساق أسباباً واهية وخيالية بلا أدلة.. وعاش وهماً جديداً أنه شهيد علي مذبح الديمقراطية والشرعية الدستورية.. متجاهلاً انه الوحيد الذي ذبح هذه الديمقراطية وتلك الشرعية عندما تحالف مع الإخوان. توهم الوفد إنه حينما يعلن الانسحاب فسوف تخرج كل جماهير مصر في ثورة أشبه بثورة 1919 كما قال السيد البدوي رئيس الحزب نفسه لمساندة الوفد. إنه تجاوز مرفوض أن يفكر البدوي مجرد تفكير في أنه مثل سعد زغلول.. فالشخصية غير الشخصية. والظروف غير الظروف. والأسباب غير الأسباب. والتركيبة المجتمعية غير تركيبة اليوم.. ولذا.. استمع الناس إلي إعلان الانسحاب الذي دخل من أذن وخرج من الأخري دون أن يتحركوا. هذا الإعلان الذي فضح ما يعاني منه الوفد من تمزق وصراعات تسبب في فقد الوفد لمقعد أو اثنين فقط في الجولة الثانية.. وأفقد الحزب مصداقيته في الشارع.. وتسبب في شرخ كبير وعميق في الجدار الوفدي. إن الانسحاب وسط المعركة أياً كانت الأسباب خيانة للناخبين في المقام الأول وإقرار بعدم تحمل المسئولية وصك بهشاشة الحزب وضعف قياداته. *** عموماً.. لقد لحق الحليف بحليفه.. وسواء أبقي الوفد علي عضوية أعضائه المنتخبين أو فصلهم وحولوا أنفسهم إلي مستقلين.. فقد خسر حاضره ومستقبله وصعّب علي نفسه الطريق في الانتخابات المقبلة. أما الحليف الآخر.. فاعتقد أن النتيجة تؤكد مستوي الإخوان وحجمهم الطبيعي في الشارع. سنسمع ندباً كثيراً ولطماً أكثر واتهامات ما أنزل الله بها من سلطان.. لا يهم.. فقد تعودنا علي سماعها منهم ومن كل الكارهين. في النهاية.. لم يصح سوي الصحيح.