في تقديري أن التفكير المتسرع في تغيير رؤساء تحرير الصحف القومية ثم التراجع عنه أو تأجيله من خلال مجلس الشوري ليس له إلا تفسير واحد واعتقد أنه هو الغالب في فهم كل الصحفيين العاملين في الصحف القومية ألا وهو أن الإخوان الذين يمثلون أغلبية مجلس الشوري أرادوا أن يختاروا رؤساء تحرير ينتمون لهم أو يميلون إليهم أو يدينون لهم بالولاء ليضمنوا ولاء كل المؤسسات الكبري لسياستهم ولتكون بوقا جديدا لهم وهم في ذلك لا يختلفون بالطبع عن مجلس شوري مبارك ولا عن الحزب الوطني.. وكأن المؤسسات الصحفية القومية مكتوب عليها ألا تتحرر من قيود السلطان وألا تخرج من عباءته. مهما كان هذا القرار سواء تم تأجيله أو سيتم إعادة النظر فيه فإنه أظهر النية التي أرادها الإخوان وكنت أحسبهم ومازلت أظنهم أكثر ذكاء من هذا.. فقد فتحوا باب الهرولة لنفس الفئة التي هرولت من قبل إلي صفوت الشريف وفتحت الباب للمتطوعين لخدمة النظام الجديد والتسبيح بفضائله بنفس الأسلوب الغبي القديم الذي هبط بالمؤسسات القومية وصحفها إلي الدرك الأسفل وتركها غارقة في ديون ومشاكل لا تنتهي. لو كان الإخوان لا يبيتون النية للقيام بنفس الدور مع الصحف القومية ولو كانوا فعلا يؤمنون بحرية الصحافة فعليهم أن يبرهنوا علي صدقهم بتحرير المؤسسات الصحفية القومية من قبضة مجلس الشوري وينفذوا ما كانوا يتغنون به من خطط ورؤي ادعوا أنهم متحمسون لها وعلي رأسها أن تكون هذه المؤسسات مستقلة وقوية وأن تكون في خدمة الشعب لا تحت امرة السلطان. اعتقد أن الإخوان أو أحزابهم السياسية أو مجالسهم يعرفون جيدا أن مشكلة المؤسسات القومية لا تكمن في تغيير رؤساء تحرير وإن فعلوها وفوجئ الصحفيون بقرارات فردية من مجلس الشوري بذلك فسيعرفون ويدركون أن ما حدث بعد الثورة هو أننا "شلنا ألدو ووضعنا شاهين" وأن شاهين يريد ما كان يريده ألدو. حتي الآن لا أحد ينكر أن لمجلس الشوري بصفته المالك الشكلي للمؤسسات من حقه أن يغير وأن يبدل وأن يفعل ما يريد بالمؤسسات ولكن هذا الحق الذي يراد به باطل هو واحد من الحقوق التي قامت الثورة لتغييرها وكم من الحقوق في العهد الظالم البائد كانت ظالمة وفاسدة وهذا الحق بالذات هو الذي أفسد الصحف وكبل حريتها ونخر في بنيانها وقيمتها ومن يمارس نفس الحق وهو يعرف ذلك ستدور الدوائر عليه. خلاصة القول إن مجلس الشوري لو كان يريد خيرا بالصحف القومية فعليه أن يدرس جيدا كل الاطروحات التي صنعها ويصنعها الخبراء ويتخذ التدابير والقرارات التي تجعلها مستقلة وقادرة علي النهوض والاستمرار في كيان اقتصادي راسخ وكيان إداري محترم وكيان صحفي حر.. أن يجعلها صحافة الشعب أولا وأخيرا.