في يوم 29 نوفمبر سنة 1927 صدرت في مدينة القاهرة جريدة يومية صباحية باسم "الكشاف". وكان مالكها هو رجل الاقتصاد المصري أحمد عبود باشا.. عضو الهيئة الوفدية والنائب الوفدي في مجلس النواب عن دائرة أطفيح بالجيزة. ولهذه الجريدة حكاية.. فقد شجع علي إصدارها رئيس الوفد سعد زغلول باشا وذلك بهدف تعزيز القضية المصرية بحيث تقوم هذه الصحيفة بجانب الصحف الوطنية الأخري بخدمة هذه القضية لتعبر عن أماني الشعب في الحصول علي الجلاء.. وقد أسند سعد باشا إدارة تحرير الجريدة إلي عبدالرحمن عزام الذي أصبح فيما بعد أول أمين للجامعة العربية.. وقد أبدي سعد باشا رأيه في صحيفة البلاغ وكوكب الشرق الوفدين بأنهما يعبران عن العنصر الإخباري وكذلك كانتا لا تجيدان فن الترويج الصحفي لسياسة حسن التفاهم والاعتدال مع بريطانيا وهي السياسة التي انتهجها قادة الائتلاف خلال هذه المرحلة من تطور العمل السياسي الحزبي في مصر. يقول الدكتور عبدالخالق لاشين في كتابه "مصريات في الفكر والسياسة" إن سعد زغلول كان يتمني لو أن الوفد اشتري جريدة الأهرام لأنه كان يري فيها الجريدة الصحفية الإخبارية الوحيدة في مصر.. وعرض الفكرة علي المهندس أحمد عبود باشا الذي أكد أنه يستطيع شراء صحيفة الأهرام.. وعندما ذهب لمفاوضة أصحابها علي الثمن طلبوا منه مبلغاً ضخماً قدره 30 ألف جنيه.. "هذا الرقم كان سنة 1926" ولكن عبود باشا استكثر هذا المبلغ ورفض الشراء.. وهنا اقترح سعد باشا إنشاء جريدة مصرية جديدة تحل محل الأهرام واختار لها اسم "الكشاف".. وتم شراء آلة الطباعة علي أحدث مستوي واستكمل لها معدات التصوير وكل ما يلزم الطباعة المتميزة.. بالاضافة إلي ذلك تم اختيار مجموعة من كبار الكتاب والمراسلين وتم عقد اتفاق مع صحيفتين بريطانيتين واهتمت الصحيفة بنشر الموضوعات الخاصة بالاقتصاد والتجارة والزراعة والعلوم والفنون بجانب العناية بكل ما هو جميل.. ونتيجة للامكانيات التي توفرت لها منذ انفردت بنشر مشروع المعاهدة العراقية البريطانية حتي قبل أن تنشر في أي صحيفة عالمية أخري. المهم أن صحيفة الكشاف صدرت بعد موت سعد باشا وكتب أحمد عبود افتتاحية في العدد الأول نعي فيها سعد باشا صاحب الفضل الأول في إصدار هذه الصحيفة. والذي حدث بعد ذلك أنه لم يكتب لها الاستمرار حيث أغلقت أبوابها في 14 أبريل سنة 1928 أي أنها لم تستمر سوي أربعة أشهر ونصف الشهر وكان عدد الأعداد التي أصدرتها 119 عدداً فقط. والواقع أنه لم يكن في مصر في ذلك الوقت إلا عدد محدود من الصحف وكانت كلها صحفاً خاصة.. يمتلكها أفراد.. وأحزاب.. فكانت هناك صحيفة للحزب الوطني وأكثر من صحيفة لحزب الوفد.. وقد كثرت هذه الصحف في عهد الملك فاروق ثم أغلقت الثورة عدداً منها بحيث لم يتبق إلا صحيفتا الأهرام والأخبار والأساس والبلاغ وهما جريدتان مسائيتان. وعادت الصحف تظهر من جديد وأصبح عددها كبيراً خلال الثلاثين عاماً الماضية.. وأصبح هناك ما يعرف بالصحف القومية التي يمتلكها مجلس الشوري.. وبعد ثورة 25 يناير.. ظهرت صحف أخري لحزب الحرية والعدالة.. وصحيفة تتحدث باسم الثورة.. وغيرها. ولكن كل هذه الصحف هل سيكتب لها الاستمرار أم أن مصير بعضها سيكون مثل صحيفة الكشاف؟ عموما.. هناك اتجاهات كثيرة ودراسات تجري لبحث كل الأمور المتعلقة بالصحف القومية!!