يستحق المهندس نجيب ساويرس أن نقدم له التهنئة علي الخروج الآمن من قضية ازدراء الدين الإسلامي .. حيث قضت محكمة جنح قصر النيل برفض الدعوي المدنية والجنائية ضده باعتبارها مرفوعة من غير ذي صفة .. وألزمت رافعي الدعوي بغرامة 50 جنيها . وتستحق مصر كلها أن نقدم لها التهنئة علي عبور حفرة من حفر النار الكثيرة التي يجري تجهيزها والنفخ فيها حتي يسقط الوطن إلي قاعها ويحترق .. لقد عبرت مصر حفرة النار بسلام ويجب أن تكون قد وعت الدرس .. وعلمت أن أي نزاع طائفي ولو كان علي صعيد القضاء والمحاكم لابد سيكون خصما من رصيدها الإستراتيجي في الأمن والاستقرار والسلام الاجتماعي. ليس هذا الكلام موجها إلي المهندس ساويرس وحده .. أو خصومه وحدهم .. وإنما هو موجه لكل المصريين .. مسلمين ومسيحيين .. عسي أن يقتنعوا بأنهم يعيشون في وطن مشترك ضمهم في الماضي ولابد أن يضمهم في الحاضر والمستقبل .. لابديل لهم عنه ولا حياة لهم إلا فيه .. ومن ثم فإن عليهم أن يتعايشوا معا علي أرض هذا الوطن في إطار من القيم العليا الراقية والاحترام المتبادل .. وأن يجعلوا همهم الأكبر كيف تكون حياتهم أكثر رخاء وسعادة وأمنا بدلا من أن يضيعوا وقتهم وجهدهم في الكيد لبعضهم البعض . وكان عدد من المواطنين قد أقاموا دعوي الجنحة المباشرة ضد ساويرس متهمين إياه بازدراء الأديان وإهانة الدين الإسلامي علي خلفية نشره رسوما كاريكاتورية مسيئة للحية والنقاب كرمزين إسلاميين علي صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي ¢الفيس بوك ¢ .. وقد اعتذر ساويرس في حينها علي الفور مؤكدا أنه كان ¢ يهزر ¢ وأن الرسم كان متداولا علي شبكات التواصل الاجتماعي منذ عام 2008 وأنه لم يقصد الإساءة .. وإذا كان هناك أي شخص قد شعر بالإساءة من جراء إعادة إرساله لهذا الرسم الكاريكاتوري فإنه يعتذر .. مؤكدا كامل احترامه للإسلام والمسلمين . وقد كان هذا الاعتذار كافيا للعفو عن ساويرس وتجاهل الموضوع برمته واعتباره هفوة .. لكن المشكلة أن الدعاوي القضائية تكاثرت علي رجل الأعمال .. خاصة تلك التي تتهمه بازدراء الدين الإسلامي والاستهزاء بالملابس والرموز الإسلامية والدعوة إلي رفض المادة الثانية من الدستور بهدف إثارة الفتنة والاستقواء بالخارج .. وهو مارسم في الأذهان صورة سلبية وطائفية لرجل يتحدث كثيرا عن الاستنارة والوحدة الوطنية . وفي هذا الإطار تم حجز دعوي أخري بمحكمة جنح بولاق يوم السبت القادم 3 مارس أقامها أحد المواطنين بنفس التهمة ضد ساويرس ..كما تنظر محكمة قويسنا دعوي مماثلة لأحد المواطنين يتهمه فيها بالإساءة للإسلام من خلال السخرية من لحية المسلمين كما ظهرت في الرسم الكاريكاتوري . وكم أتمني أن يكون القرار الذي أصدرته محكمة جنح قصر النيل أمس مناسبة سعيدة تذكرنا بقيمة العفو والتسامح والالتئام في مواجهة الظروف القاسية التي تمر بها بلادنا والتي تملي علي كل وطني غيور أن يخرج أفضل ماعنده حتي نحتشد لبناء المستقبل معا بدلا من أن نتصارع ونتنابذ دينيا وطائفيا فنهلك جميعا وتذهب ريحنا . تعالوا ننظر إلي أنفسنا .. ونلقي تعصبنا جانبا .. تعالوا نتسامح ونعلو فوق جراحنا .. تعالوا نجرب كيف تكون السعادة حين يعتذر المسيء بشجاعة الرجال ويعفو صاحب الحق بشموخ القدرة .. تعالوا نجرب كيف نبيت مطمئنين علي مستقبلنا ومستقبل أبنائنا عندما نتأكد من أننا لن نهان في أوطاننا ولن ينتقص أحد من كرامتنا وكبريائنا .. ولن يتربص بنا أحد ليوقعنا في المهالك .. وأن كلمة اعتذار صادقة من القلب تستطيع أن تنهي أعقد المشاكل مع إخواننا. تعالوا نجعل من تهنئة ساويرس مناسبة طيبة للعفو عن الشاب المسيحي جمال مسعود الطالب بمدرسة منقباد الثانوية بأسيوط الذي كان قد نشر هو الآخر علي الإنترنت رسوما كاريكاتورية مسيئة للإسلام والمسلمين فأحدث ضجة كبري ووقعت اشتباكات بين المسلمين والمسيحيين في أربع قري .. وانتهت الفتنة بجلسة للمصالحة عقدها رموز الدين الإسلامي والمسيحي بهذه القري لتهدئة الأوضاع .. وتم في الجلسة طبقا لما نقلته الصحف الاتفاق علي طرد الشاب وأسرته من قريتهم ¢ الغدر ¢ وتقديمه للمحاكمة بتهمة ازدراء الأديان. لتكن المناسبة أكثر جمالا .. وليكن العفو شاملا .. ولنبدأ صفحة جديدة . إننا إن فعلنا ذلك بحب وصدق .. وتنازل أصحاب الدعاوي القضائية عن دعاواهم .. وأغلقنا هذا الملف المليء بالجروح .. فسوف نساعد الشاب الصعيدي علي أن يتدارك خطأه ويعود مواطنا صالحا حريصا علي مستقبله .. و نساعد المهندس نجيب ساويرس علي الخروج من ضيق الطائفة لكي يتألق في سماء الوطن وأفقه الواسع.. والمؤكد أننا في كل الأحوال سوف نكسب ولا نخسر .