المروءة من أخلاق الإسلام الفاضلة. ومن شيم الصالحين الظاهرة. فهي حالة مستقرة في النفس تحمل صاحبها علي الالتزام بالفضائل دائما. ولذلك فهي جماع الأمر كله. وهي الدافع للإقدام علي كل خير. والابتعاد عن كل شر. والإنسان لا يحكم عليه بالعدالة وتقبل شهادته إلا بمراعاة المروءة. فإن العدالة في اللغة: صفة توجب مراعاتها الاحتراز عما يخل بالمروءة عادة. وفي الاصطلاح.. اجتناب الكبائر وعدم الإصرار علي صغيرة من نوع واحد أو أنواع. ولقد أمر الله بالمروءة في كتابه العزيزفي أكثر من آية. ولكن أمر بها باعتبار معناها. وليس باعتبار لفظها. فمن أهم معاني المروءة الاستقامة علي محاسن الأخلاق. ومراقبة الله - سبحانه وتعالي - وبهذا المعني ورد الأمر بالاستقامة للنبي - صلي الله عليه وسلم - وأتباعه المؤمنين في أكثر من آية قال تعالي: "فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير" "هود: 112". وقال سبحانه: "فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم" "الشوري: 15". كما مدح ربنا - سبحانه وتعالي - المؤمنين الذين التزموا المروءة في الأخلاق والآداب. وحافظوا علي رشدهم في سيرهم إلي الله. وأخبر تعالي أنه يرسل إليهم الملائكة مبشرين بحسن العاقبة فقال سبحانه: "إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون" "فصلت: 30". وقال عز من قائل: "إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلاخوف عليهم ولا هم يحزنون" "الأحقاف: 13". وقال تعالي: "وأن لو استقاموا علي الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا" "الجن: 16". والمروءة بلفظها ومعناها وردت في أحاديث النبي المصطفي - صلي الله عليه وسلم - كثيرا. فعن عمر بن الخطاب أن النبي - صلي الله عليه وسلم - قال: "حسب المرء دينه وكرمه تقواه ومروءته عقله" "سنن الدارقطني. ومصنف ابن أبي شيبة". وكذلك بين النبي - صلي الله عليه وسلم - أهم آثار المروءة عند المسلم فعندما تذاكروا المروءة عند رسول الله - صلي الله عليه وسلم - قال: "أما مروءتنا فأن نغفر لمن ظلمنا. ونعطي من حرمنا. ونصل من قطعنا. ونعطي من حرمنا". وكذلك أخبر النبي - صلي الله عليه وسلم - فيما يرويه علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أن الاتصاف بالمروءة من أسباب عصمة المسلم في عرضه فقال - صلي الله عليه وسلم - "من عامل الناس فلم يظلمهم وحدثهم فلم يكذبهم ووعدهم فلم يخلفهم فهو ممن كملت مروءته وظهرت عدالته ووجبت أخوته وحرمت غيبته" "مسند الشهاب". وكذلك اهتم أصحاب رسول الله - صلي الله عليه وسلم - والسلف من بعضهم بيان المروءة والحث عليها. فقد سئل عبدالله بن عمر عن المروءة فقال: العفاف وإصلاح المال. وسأل معاوية الحسن بن علي عن المروءة والكرم والنجدة. فقال: أما المروءة فحظ الرجل نفسه. وإحرازه دينه وحسن قيامه بصنعته. وترك المنازعة. وإفشاء السلام. وأما الكرم فالتبرع بالمعروف. وإعطاؤك قبل السؤال. وإطعام في المحل. وأما النجدة فالذب عن الجار. والصبر في المواطن. والإقدام علي الكريهة. وتختلف المروءة باختلاف الأشخاص والأزمان والأماكن. فقد يستقبح فعل شيء ما من شخص دون آخر. وفي قطر دون آخر. وفي حال دون آخر. وإن أجل مظاهر المروءة النجدة. وإغاثة الملهوف. وقد اتفق المسلمون علي أن المسلم يغيث من استغاثه. وإذا استغاث غير المسلم فإنه يغاث لأنه آدمي. ولأنه يجب الدفع عن الغير إذا كان آدميا. ولحديث رسول الله - صلي الله عليه وسلم - "إن الله يحب إغاثة الملهوف" ولقوله - صلي الله عليه وسلم - "لا تنزع الرحمة إلا من شقي". وقد أذهلت أخلاق المسلمين كل العالم. حيث إنهم التزموا المروءة والنجدة حتي وإن كان غير المسلم محاربا لهم فقد اتفقوا علي أن غير المسلم إن كان حربيا واستغاث. فإنه يجاب إلي طلبه. لعله يسمع كلام الله أو يرجع عما في نفسه من شر ويأسره المعروف. لقوله تعالي: "وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتي يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه" "التوبة: 6". أي فأجره. وأمنه علي نفسه وأمواله. فإن اهتدي وآمن عن علم واقتناع فذاك. وإلا فالواجب أن تبلغه المكان الذي يأمن به علي نفسه. ويكون حرا في عقيدته. هذا ما دعا إليه الإسلام من صفات حميدة تحفظ نفس الإنسان وعقله وكرامته. نسأل الله - سبحانه وتعالي - أن يكملنا بمكارم الأخلاق. ويعلي لنا في مروءتنا. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.