لأول مرة منذ أكثر من 30 عاماً تشهد العلاقات المصرية الأمريكية توتراً شديد الحدة علي خلفية قضية التمويل الأجنبي المتهم فيها 43 شخصاً بينهم 17 أمريكياً حيث جرت العادة طوال فترة حكم النظام السابق أن تكون مصر هي الخادم المطيع للولايات المتحدة في المنطقة أو حسب وصف صحيفة الاندبندنت البريطانية تكون أمريكا هي السيد المطاع في القاهرة!! لقد ظلت واشنطن علي مدي ثلاثة عقود تمارس هيمنتها علي السياسة الخارجية المصرية بشكل فج أضعفت معه دور مصر الإقليمي والدولي.. وكان النظام السابق بكل أسف يرضخ للهيمنة الأمريكية مرة للحفاظ علي بقائه.. ومرة لتمديد عملية التوريث.. ومن المفارقات الغريبة والعجيبة أن المنظمات الأمريكية التي كانت تستخدمها واشنطن في بعض الأحيان كورقة ضغط لمضايقة النظام السابق بحجة حقوق الإنسان وحقوق الأقليات وحرية الأديان هي نفس المنظمات المتهمة في قضية التمويل الأجنبي!! لقد كشفت التحقيقات أن أمريكا قدمت أموالاً ضخمة لمنظمات المجتمع المدني المصرية والأمريكية بعد ثورة 25 يناير بشكل يمثل عدة أضعاف ما كانت تدفعه لتلك المنظمات قبل الثورة حيث أكدت الدكتورة فايزة أبوالنجا وزيرة التعاون الدولي في شهادتها أن إجمالي التمويل الأمريكي المباشر لهذه المنظمات بلغ 175 مليون دولار خلال الفترة من 2005 إلي 2011 منها 105 ملايين دولار ضختها أمريكا خلال سبعة أشهر فقط وهي الفترة من فبراير إلي سبتمبر 2011!! والمثير للدهشة حسب شهادة أبوالنجا أن تلك الأموال التي أنفقتها أمريكا علي هذه المنظمات تم استقطاعها من المبلغ المخصص لبرنامج المساعدات الأمريكية الاقتصادية لمصر حيث كانت تلك الأموال مخصصة أصلاً لعدد من المشروعات التنموية في مجالات الصحة والتعليم ومياه الشرب والصرف الصحي ما يعني أن أمريكا بعد الثورة غيرت من طرف واحد مسمي المعونة الاقتصادية إلي مسمي المعونة السياسية وتم إنفاق عشرات الملايين من الدولارات علي العمل السياسي حيث قامت منظمات المعهد الجمهوري والمعهد الديمقراطي وفريدوم هاوس والمركز الدولي الأمريكي للصحفيين بتوسيع نشاطهم داخل مصر وفتح فروع لهم في المحافظات!! أخطر ما جاء في شهادة الدكتورة أبوالنجا أنها اتهمت واشنطن بشكل واضح وصريح بمحاولة إجهاض ثورة 25 يناير عن طريق إشاعة الفوضي واستخدمت التمويل السياسي لتحقيق هذا الهدف.. والغرض من كل ذلك الرغبة الأمريكية والإصرار علي عدم نهوض مصر كدولة ديمقراطية ذات اقتصاد قوي لأن ذلك إذا تحقق سيمثل أكبر تهديد للمصالح الأمريكية والإسرائيلية ليس في مصر فقط بل في المنطقة ككل!! أمريكا حالياً في مأزق خاصة بعد بيان المجلس العسكري الذي أكد فيه أن مصر لا تخضع لهيمنة أي جهة ولن تبتز أو تذل فمن يريد صداقتنا طبقاً لأعرافنا وتقاليدنا فأهلاً به. ومن لا يريدها فطبقاً لأخلاقنا أيضاً أهلاً به.. وبالتالي فتلميحات وتهديدات واشنطن بقطع المساعدات الاقتصادية والعسكرية عن مصر لن يجدي ولن يفيد.. وعليها أن تبحث عن مخرج آخر لإنقاذ نفسها من خسارة حليف مهم لها في المنطقة.. وإذا لم تفعل ذلك ستنطبق عليها اتهامات أبوالنجا بأنها تعمل علي إثارة الفوضي لإجهاض ثورة 25 يناير!!