يبدو أننا نسينا وسط المطالب الثورية الهائجة أن مصر تخوض معركة حقيقية مع الولاياتالمتحدة بسبب تطورات قضية التمويل الأمريكي لمنظمات تعمل متخفية بالسياسة علي أرضنا دون تراخيص وتمنح مرتبات ومكافآت سخية لنشطاء مصريين وأجانب مقابل خدمات ومهام يؤدونها داخل مصر بعيدا عن عين الدولة. والولاياتالمتحدة كما هو معروف ليست دولة عادية بالنسبة لمصر.. وإنما هي التي كانت ومازالت حتي الآن علي الاقل الحليف الاستراتيجي.. والتي كانت ومازالت تمنح مصر معونة اقتصادية وعسكرية تتجاوز 5.2 مليار دولار سنويا. ومع ذلك تصاعدت حدة المعركة.. وخرجت تفاصيلها من نطاق القنوات الدبلوماسية الي القنوات الاعلامية.. حتي وصل الأمر بصحيفة "نيويورك تايمز" ان تنقل عن رئيس المعهد الجمهوري الدولي وورن كرانر قوله: "خلال 30 عاما من العمل لم نتلق مثل هذه المعاملة من أي بلد.. بما في ذلك روسيا والصين وفنزويلا".. ويقصد بالطبع أكثر الدول تشددا مع الولاياتالمتحدة. والمعهد الجمهوري الدولي هو إحدي المنظمتين الأمريكيتين اللتين استهدفهما قرار الحسم المصري.. وهو تابع للحزب الجمهوري الأمريكي كما يبدو من اسمه.. أما المنظمة الأخري فتابعة للحزب الديمقراطي. وقد دخلت شخصيات أمريكية ثقيلة علي خط النار في المعركة بعد ان قرر القضاء المصري منع ستة مواطنين أمريكيين وموظفين من جنسيات أخري من مغادرة الأراضي المصرية علي خلفية القضية.. وكان من هؤلاء سام لحود نجل وزير النقل الأمريكي راي لحود.. وقد لجأوا جميعا مؤخرا الي مقر السفارة الأمريكيةبالقاهرة للاقامة فيه خوفا من إقدام السلطات المصرية علي القبض أو التحفظ عليهم. ومن هذه الشخصيات الأمريكية الثقيلة الرئيس أوباما شخصيا ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ورئيسة المحكمة الدستورية العليا في أمريكا التي جاءت بنفسها الي القاهرة للضغط ووزير الدفاع ليون بانيتا الذي أجري اتصالا ساخنا بالمشير طنطاوي ابلغه فيه بالموقف الأمريكي الغاضب وطلب الرئيس أوباما بالسماح للمواطنين الامريكيين بمغادرة مصر فورا حتي يعودوا لاسرهم. وخطوة خطوة تصاعدت المعركة فيما يشبه لعبة عض الأصابع في انتظار من سيتوجع أولا ويطلب التوقف.. بمعني أكثر وضوحا هناك ضغوط هائلة تمارس الآن علي المجلس العسكري وعلي المشير طنطاوي شخصيا لحمله علي التدخل المباشر والأمر بترحيل الأمريكيين معززين مكرمين الي بلادهم. وحتي الآن فالموقف في مصر لم يتغير.. القضية برمتها بين يد القضاء.. ولا أحد يستطيع ان يتدخل في عمل القضاء.. هناك ضغوط من الداخل وضغوط من الخارج.. لكن المشير مازال صامدا. وهناك وفد عسكري مصري في واشنطن حاليا لاجراء مباحثات تتعلق بالتعاون الفني العسكري المشترك المتفق عليه من قبل ومناورات النجم الساطع.. لكن التسريبات الأمريكية تحاول الإيحاء بأن قضية التمويل والمنظمات والمواطنين الستة في قائمة الموضوعات المطروحة علي الجانبين. مصر من جانبها تريد أن تبلغ رسالة مهمة للادارة الأمريكية مفادها أن هناك تغييرا حقيقيا طرأ علي ملف العلاقات بين البلدين بفعل الثورة المجيدة وتوجهاتها الوطنية.. وما كان يحدث في زمن مبارك لن يستمر.. الدنيا هنا تتغير بسرعة والشعب المصري لن يسمح لأمريكا ولا لأية دولة أخري أن تنتهك سيادته علي أرضه.. وكل من يتواجد علي أرض مصر سيخضع للقانون المصري.. طوعا أو كرها. وإن آجلا أو عاجلاً سيترك المجلس العسكري السلطة وسيعود الجيش الي ثكناته ليمارس دوره الوطني المشرف في حماية أرضنا وحدودنا.. وسيخرج المشير طنطاوي الي الحياة المدنية مواطنا مصريا عاديا.. لكننا لن ننسي له ولزملائه في المجلس العسكري أنهم وفروا الحماية للثورة.. وكتبوا شهادة نجاحها بشجاعتهم وقرارهم التاريخي بالانحياز الي الشعب مصدر الشرعية ومصدر السلطات.. ولن ننسي لهم أيضا أنهم جسدوا الارادة المصرية الثورية الصلبة في مواجهة الحليف الأمريكي وغيروا صورتنا أمام الدنيا كلها.. فلم نعد الشعب التابع المطيع للسيد مانح المعونة.