على خلفية الاختراق المالى الأمريكى لمصر، وعبر التمويل لنشطاء مصريين، احتجزت سلطات التحقيق المصرية، عددًا من الأمريكيين، متهمين فى قضايا تمويل غير مشروع. لأول مرة تتخذ القاهرة، مثل الموقف القوى، ومن "واشنطن .. الحليف الدولى الأقوى وحامل شيكات "المعونة" المقدمة لمصر. وثائق "ويكيليكس" التى كشفت بالأسماء وبالأرقام، فضائح "نشطاء" حقوق الإنسان فى مصر ربما غطت على ما يعتبر الحدث الأبرز وذا الدلالة السياسية الأهم، خاصة فيما يتعلق بما طرأ من تطورات وتحولات على صعيد استعادة الهيبة الإقليمية الدولية لمصر. لأول مرة .. تحتجز القاهرة "أمريكيين".. يتبوؤن منزلة سياسية وحقوقية رفيعة، وتحظى بحماية المؤسسات التشريعية فى الولاياتالمتحدةالأمريكية.. بل إنه كان من بين الأمريكيين الستة المحتجزين، مدير المعهد الجمهورى الدولى فى مصر "سام لحود" نجل "راى لحود" وزير النقل الأمريكى ومنعه من مغادرة البلاد. ولكى ندرك مغزى الإجراء المصرى المتشدد إزاء ما يشتبه فى تورطهم بالاضطرابات السياسية الأخيرة فى القاهرة، نستدعى ما كتبته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، نقلا عن رئيس المعهد الجمهورى الدولى "وورن كرانر" إذ قال بالنص: "خلال 30 عامًا عمل لم نتلق مثل هذه المعاملة من قبل أى بلد، بما فى ذلك روسيا والصين وفنزويلا". هذا الموقف لم نشعر بأهميته الكبرى وسط مناخ التوتر والعصبية التى تزامنت معه، بسبب أجواء الذكرى الأولى للثورة، وما صاحبها من مخاوف وقلق من دخول البلاد فى اضطرابات سياسية تشبه ما حدث يوم 25 يناير عام 2011.. ولعله من الأهمية هنا أن نشير إلى أن هذه الخطوة الجسورة، والتى لم تعبأ برد الفعل الأمريكى الغاضب، سواء من أوباما نفسه، أو من وزيرة الخارجية "هيلارى كلينتون".. أو من وزير الدفاع "ليون بانيتا".. تأتى وسط دهشة المجتمع السياسى الأمريكى ذاته، إذ يتلقى الجيش المصرى والذى يحكم البلاد الآن، ما يقرب من 1.3 مليار دولار مساعدات عسكرية من الإدارة الأمريكية. كان من المتوقع، أن يستن جنرالات المجلس العسكرى المصرى، بسنة النظام السابق، ويتجنبون استفزاز واشنطن، خوفًا على المساعدات العسكرية.. غير أن القبض على أمريكيين وفى وزن سياسى ودولى كبير، يعكس ما طرأ من تغيرات جسورة وكبيرة على صعيد الاستقلال الوطنى من جهة.. وعلى صعيد استقلال مؤسسة العدالة عن السلطة التنفيذية من جهة أخرى.. وهذه واحدة من أهم وأكبر إنجازات ثورة 25 يناير. [email protected]