منذ عشرات السنين نجد الباعة الجائلين يستمدون شرعيتهم من البلطجية خاصة في ميدان العتبة والشوارع المجاورة لأن هذا الميدان يمثل أكبر ساحة تجارية تربط بين شارع الموسكي وشارع عبدالعزيز وكلوت بك والأزهر ونجيب الريحاني والأوبرا. ما حدث منذ ثلاثة أيام في هذا الميدان يؤكد أن الحكومة والأجهزة التنفيذية هي السبب في هذه البلطجة فقد لاحظ الجميع مدي الإجرام في المشاجرة التي وقعت بين هؤلاء الباعة وشاهدنا مدي ضعف الحكومة التي تحول دورها إلي متفرج وكل ما فعله رئيس الحي أنه قام بتنظيف الميدان وموقع المشاجرة من الطوب والزجاج المتناثر في كل مكان وكان دور الشرطة أنها تدخلت في فض المشاجرة لإثبات الوجود وليس لاقتلاع البلطجة من جذورها لقد أصيب العشرات في هذه المشاجرة التي استخدمت فيها كل أنواع الأسلحة النارية والسنج والمطاوي والزجاجات الفارغة والشوم وأصبح كل طرف يتربص بالآخر ويعد العدة للانتقام في الأيام القادمة. في الماضي كانت الحكومة تعاني من مائة بائع متجول وتطاردهم بعد كل مشاجرة تقع في الميدان وسرعان ما يعودون إلي مواقعهم بالطرق المعروفة رغم تواجد الخدمات الأمنية لكن زاد عدد هؤلاء الباعة يوما بعد يوم حتي أصبح عددهم الآن يفوق الآلاف بل تحولوا إلي كتل ومجموعات كل مجموعة تنتمي إلي عائلة من عائلات الصعيد أو وجه بحري ومن هذا المنطلق أصبحت كل عائلة تفرض سطوتها علي الأخري في الشارع حيث إن البائع المتجول يقوم بحجز مكان لشقيقه أو ابن عمه بالقوة من أجل أن يكونوا عصبة يستطيع بهم أن يفرض كلمته علي الآخرين من الباعة الجائلين وتحول الشارع إلي قبليات وعائلات في غياب الحكومة التي أصبحت لا تستطيع أن تفعل شيئا أمام هذا الطوفان. إذا كانت الحكومة قد أزالت منازل وعمارات من أجل المصلحة العامة وأزالت أسواق كبري من أجل القضاء علي العشوائيات فكيف تقف اليوم حائرة في القضاء علي حفنة من الباعة الجائلين يمثلون أكبر بؤرة عشوائية تسيء للشارع المصري ويزداد خطرها يوما بعد يوم. في الحقيقة الحكومة في غيبوبة وموقفها ضعيف جدا فإذا كانت اليوم غير قادرة علي حل هذه الأزمة فغدا سوف تستنجد بمن يخلصها من هذا الوباء الذي يستشري خطره علي مدار السنين والأيام. أظن أن د.الجنزوري رئيس مجلس الوزراء لم تطرح عليه هذه الأزمة وأبعادها في الوقت الحاضر أو المستقبل رغم أنها من أولويات المشاكل التي تؤرق الشارع المصري وتخلف النزاعات بين العائلات فإذا كانت لديه نية لإعادة الانضباط إلي الميادين العامة وخاصة ميدان العتبة فيجب إيجاد بديل لهؤلاء الباعة الجائلين وحصرهم لإقامة سوق لهم في مكان بعيد عن وسط البلد الذي لم يعد يطيق زحام السيارات والمارة وبهذا الأسلوب الحضاري سوف نحقن الدماء التي تسيل يوميا في ميدان العتبة.. وننبذ الخلافات بين العائلات ونعيد للميدان هيبته وجماله وعراقته ونحقق الأمن والاستقرار للجميع والأيام بيننا.