يبدو أننا في مصر لا نجيد إبرام العقود سواء في الماضي أو الحاضر.. ولعل أعجب العقود التي أبرمتها مصر.. هو عقد امتياز قناة السويس. حيث منح سعيد باشا والي مصر في ذلك الوقت مسيو دليسيبس امتياز تأسيس شركة عامة لحفر قناة السويس لمدة 99 سنة. ابتداء من تاريخ تشغيلها. أي اعتباراً من 17 نوفمبر 1869 وتصبح القناة بعدها ملكاً لمصر في 16 نوفمبر .1966 المهم أن بند الامتياز كان في غاية الغرابة. إذ يقضي بأن تعطي الحكومة المصرية مساحة من الأرض بين خليج الطين من البحر المتوسط والسويس علي البحر الأحمر لحفر قناة تصل بين البحرين.. كذلك إعطاء امتياز لإنشاء ترعة للمياه العزبة من نهر النيل وتصب في البحر الأحمر. وهي المعروفة حالياً بترعة الإسماعيلية.. وقد تنازلت الحكومة عن ثمن هذه الأراضي. فقد أعطيت مجاناً للشركة صاحبة الامتياز. وذلك بطول المسافة وبعرض 2 كيلومتر من الجانبين.. كذلك تنازلت الحكومة عن الضرائب المستحقة علي الدوام.. والغريب أن العقد نص علي مادة في غاية العجب إذ ألزم أصحاب الأراضي الزراعية الواقعة علي ضفاف الترع التي تنشئها الشركة علي ترخيص منها إذا أرادوا ري أراضيهم.. كذلك تلتزم الحكومة بتقديم العمال اللازمين.. وفي 6 يوليو سنة 1864 وافقت فرنسا علي إبطال حق الشركة في المطالبة بالعمالة المصرية. وتلتزم الحكومة المصرية في مقابل ذلك بتعويض مالي قدره 38 مليون فرنك. وتدفع الحكومة المصرية لشركة قناة السويس تعويضاً قدره 16 مليون فرنك مقابل التنازل عن ترعة المياه العزبة.. وبذلك بلغت التعويضات المالية المطلوبة من الحكومة المصرية لشركة القناة 84 مليون فرنك. تعادل 3.360 مليون جنيه. المهم أن مصر باعت حصتها في أسهم الشركة عندما ارتبكت أحوال مصر المالية في عهد الخديو إسماعيل.. ولنا أن نتصور أن مجرد اقتراح بإنشاء القناة وتقديم الخدمات الهندسية والفنية من جانب الفرنسيين كانت كفيلة بامتلاك الشركة للقناة. في حين أن كل شيء وقع علي عاتق الحكومة المصرية من أراضي إلي عمال إلي تدابير مالية.. ورغم ذلك لم يكن للحكومة المصرية شأن بها.. بل كانت الشركة دولة داخل الدولة. طبعاً هذا العقد العجيب. يبدو أنه كان نموذجاً في ظل نظام الخصخصة الذي تم اتباعه أثناء الثلاثين سنة الماضية. ورأينا كيف كانت هذه العقود تخضع للتحكيم الدولي.. فقد نصت هذه العقود علي أنه إذا نشأ خلاف.. ففي هذه الحالة يتم عرض الخلاف علي التحكيم الدولي.. وغالباً. بل من المؤكد أن يميل التحكيم إلي جانب المتعاقد ويحصل علي تعويضات ضخمة.. حدث هذا في أرض بيعت لمستثمر في طابا. وحدث أيضاً بالنسبة لإنشاء مطار في رأس سدر. هذا بخلاف عقود كثيرة تم إبرامها بصورة عجيبة بخصحصة شركات كانت تابعة لقطاع الأعمال. والآن فإن هناك نصاً في العقود الجديدة بمنع التحكيم الدولي.