في آيات القرآن الكريم يؤكد رب العالمين أن الإيمان قرين العمل ففي كثير من هذه الآيات يتكرر ذلك التأكيد بصورة دائمة "من عمل صالحا من ذكر أو أنثي وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون" 97 النحل.. وفي سورة البقرة يقول ربنا مبشراً هؤلاء أن لهم الفوز في الدنيا والآخرة "وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها ولهم فيها أزواج مطهرة وهم فيها خالدون". وكان وعد الله لهؤلاء المؤمنين العاملين أن يستخلفهم في عمارة الأرض وإدارة شئونها "وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضي لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون" 55 النور. وقد هيأ الله سبحانه وتعالي كل الأسباب لكي يتمكن المؤمنون من أداء العمل في عمارة الأرض وتهيئتها لتكون صالحة لينعم بها البشر "هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور" 15 الملك.. وقوله جل شأنه "هو الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعملون" 22 البقرة.. وهذه المسئولية تجعل علي عاتق الانسان مهمة العمل الجاد لأنه الطريق الوحيد لبناء الأمم والأوطان وبجهد الرجال ترتفع الصروح الحضارية وتنهض الأمة بعد كبوتها وثمرة العمل ينتفع بها كل البشر. وقد كان أنبياء الله ورسله قدوة ونماذج لمختلف الأجيال في كل زمان ومكان وقد كان لكل نبي ورسول شهرة في حرفة من الحرف فسيدنا نوح كانت مهنته النجارة وصناعة السفن "ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه قال ان تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون" 38 هود.. وكذلك كان سائر رسل الله صلوات الله وسلامه عليهم وقد كان رسول الله - صلي الله عليه وسلم - يرعي الغنم ويقول ما نبي بعثه الله إلا ورعي الغنم مما يؤكد ان العمل ضرورة ولا غني لأي انسان عنه لانه عنصر أساسي والكسب الحلال هو سمة الانسان المسلم في كل عصر ومكان. فها هو سيدنا محمد - صلي الله عليه وسلم - كان في رحلة مع أصحابه وعندما حان وقت الطعام أخذ كل واحد من هؤلاء الرجال يعلن عن دوره في الإعداد والتجهيز لهذه الوجبة التي اقتضتها ظروف الرحلة فأحدهم قال: أنا أحضر الشاة والآخر قال: أذبحها والثالث: سوف أتولي تجهيزها وفي هذا السباق قال رسول الله - صلي الله عليه وسلم - وأنا علي جمع الحطب موضحا للجميع أن المرء لابد أن يكون له دور ولا يمنع من أداء هذا الدور كونه رسولا فهو القدوة "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة" ويكفي النبي - صلي الله عليه وسلم - انه كان يقتسم العمل مع أصحابه ففي يوم الأحزاب حين أشار سلمان الفارسي بحفر الخندق حول المدينة أخذ رسول الله حصة في الحفر ليس هذا فحسب وإنما عندما كانت تستعصي أعمال الحفر في أي قطعة من قطع الصحابة كانوا يلجأون إلي رسول الله - صلي الله عليه وسلم - فكان يتولي هذه المهمة بكل نفس راضية ففي أحد المواقع اعترضت أعمال الحفر صخرة ولم يستطع الصحابة كيفية التصرف فيها فتوجهوا إلي رسول الله لمساعدتهم فلم يتوان وذهب معهم وأخذ يضرب بيده الشريفة هذه الصخرة فانشطرت قطعا وسط تكبير وتهليل الصحابة وفي الحرب كان - صلي الله عليه وسلم - شجاعا لا يهاب العدو أيا كانت قوته يقول الإمام علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه - كنا إذا حمي وطيس الحرب اتقينا برسول الله - صلي الله عليه وسلم. وفي هذا الاطار نبه رسول الله - صلي الله عليه وسلم - الأمة إلي العمل واتقانه فقال: إن الله يحب من أحدكم إذا عمل عملاً أن يتقنه" مشيرا إلي فضيلة أكل الانسان من عرق يده فقال - صلي الله عليه وسلم - رحم الله نبي الله داود كان يأكل من عمل يده" والقرآن الكريم أكد ذلك في سورة الأنبياء "وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون" فقد كان سيدنا داود - صلي الله عليه وسلم - ماهراً في صناعة الدروع فبعد أن كانت صفائح استطاع أن يحولها إلي حلقات وذلك لأول مرة فقد طورها لتكون أكثر فاعلية لحماية المؤمنين في أوقات الحروب والشدائد وتلك الأمثال يضربها الله لتكون نبراساً للأجيال المتعاقبة أن العمل لا يغني عنه أي مهام يشغل بها الانسان حتي لو كان أداء العبادات فقد شاهد رسول الله - صلي الله عليه وسلم - شابا يجلس بالمسجد فسأل فقالوا: انه يتعبد؟ فسأل ومن الذي يبحث عن رزقه فقالوا: أخوه فقال - صلي الله عليه وسلم: أخوه أعبد منه" انها مهمة لا غني عنها يستوي فيها سائر البشر من رجال ونساء. وفي العصر الحاضر صعدت دول إلي درجات متفوقة في كل المجالات بفضل تضافر جهود أبنائها في العمل واتخاذ أسباب التطوير واستطاعت قيادات هذه الدول أن تدبر عملاً لكل فرد من أبنائها فها هي الصين قد قفزت إلي عالم الأضواء والعلوم التكنولوجية وشجعت أبناءها منذ نعومة أظافرهم علي حب العمل واتقانه وتوفير كل وسائل التدريب والتأهيل فغزت بضائعها ومنتجاتها مختلف أسواق العالم ولم يتعلل قادة هذه الدولة الفنية بأن الإعداد لشعبهم كبيرة إذ تجاوزت ملياراً ونصف المليار نسمة وها نحن نري الشباب والفتيات الصينيات يجوبون شوارع القاهرة وعواصم المحافظات يعرضون السلع الصينية ويروجون المنتجات بأفضل الأساليب واستطاعوا اجادة اللغة العربية بلكنة محببة ويجتذبون الزبائن بمهارة ورغم ان المسلمين في العالم الإسلامي والعربي قد حثهم الإسلام بمبادئه السامية علي العمل وتطويره وتجويده إلا انهم قد أهملوا هذه التوجيهات وركنوا إلي الراحة والاعتماد علي الآخرين فأصابهم التخلف وأصبحوا مستهلكين أكثر منهم منتجين وتناسوا: من لا يملك قوته لا يملك حريته ومع شديد الأسف أهملوا التعليم فكانت النتائج تؤكد انتشار الأمية وأصبح الجهل يسيطر علي قطاعات كبيرة فهل سيظل العرب والمسلمون يرزحون تحت هذه المظلة الثلاثية القاتلة: الفقر والجهل والمرض. ليتنا نتدارك الأمر وتتوقف الأعمال التي تعطل العمل والإنتاج ولتتفق كلمتنا وتتوحد رؤيتنا فننطلق نحو العمل البناء فنفيد شعوبنا ونحقق الاكتفاء الذاتي ولا نحتاج للآخرين في أهم مصادر حياتنا من السلع والبضائع. "إن في ذلك لذكري لمن كان له قلب أو ألقي السمع وهو شهيد". ***** دعاء ربنا لا تجعلنا فتنة للذين ظلموا واغفر لنا وارحمنا وقنا شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. ربنا لا تشمت بنا الأعداء ولا تجعلنا مع الضالين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم الطف بنا في القضاء والقدر.