مبكرا جدا.. وقبل أن يدخل النواب الجدد قاعة مجلس الشعب.. بل قبل أن يكتمل تشكيل المجلس.. بدأت لعبة التحالفات السياسية بين الأحزاب الممثلة في البرلمان.. وبدأ كل طرف يغازل الأطراف الأخري.. وهناك من يتمنع ومن يتدلل.. وهناك من يطلق بالونات اختبار.. وهذه هي السياسة. ومن يتابع ما تنشره الصحف عن هذه اللعبة المسلية سيكتشف ان اللعبة عابرة للمبادئ والمواقف.. ولا تخضع حتي للمنطق.. وإنما تدور كلها وبالكامل في دائرة المصلحة.. الكل يبحث عن كيفية تحسين وضعه تحت القبة.. ويفكر جديا في لحظة التصويت علي القرارات والتشريعات والاستجوابات وحجم التأثير الذي يريده.. ومرة أخري هذه هي السياسة. وقد خرجت صحيفة "الحرية والعدالة" في عدد الأحد أمس الأول تعرض 5 سيناريوهات لخريطة التحالفات في برلمان الثورة علي النحو التالي: * السيناريو الأول: يدخل التحالف الديمقراطي الذي يقوده الحرية والعدالة "الاخوان" والذي يتمتع ب 207 مقاعد حاليا مع أحزاب اسلامية غير حزب النور وهي البناء والتنمية والأصالة وعدد آخر من الأحزاب الصغيرة والمستقلين وهؤلاء في جعبتهم 67 مقعدا.. وبذلك يصعد التحالف إلي 274 مقعدا. * السيناريو الثاني: يدخل التحالف الديمقراطي مع تحالف حزب النور الذي له 106 مقاعد ليصل إجمالي مقاعد التحالف 313 مقعدا. * السيناريو الثالث: يدخل التحالف الديمقراطي مع الوفد الذي يمتلك 45 مقعدا فيصل إجمالي مقاعده إلي 252 مقعدا. * السيناريو الرابع: يدخل التحالف الديمقراطي مع الكتلة المصرية التي تمتلك 45 مقعدا ليصل إجمالي مقاعده إلي 252 مقعدا أيضا. * السيناريو الخامس: يدخل التحالف الديمقراطي مع الثورة مستمرة والأحزاب الصغيرة والمستقلين.. وهؤلاء لهم 54 مقعدا وبالتالي يصل إجمالي مقاعده إلي 261 مقعدا. ويلاحظ هنا ان هذه السيناريوهات كما تري تدور كلها في فلك التحالف الديمقراطي "الاخوان" وتتجاهل سيناريوهات أخري تفكر فيها بقية الأطراف لصالحها بعيدا عن الإخوان.. وقد يصل تفكير بعضها إلي امكانية تشكيل تحالف أقليات صغيرة لتكوين أغلبية تعاكس أغلبية الإخوان. ويلاحظ أيضا ان هذه السيناريوهات لم تستثن أحدا من اللعبة ولم ترفض طرفا معينا.. فهي تطرح الجميع كبدائل مقبولين ومحتملين بما في ذلك الكتلة المصرية المناوئة علي طول الخط والوفد الذي انسحب من التحالف الديمقراطي عشية الانتخابات أملا في الفوز بأصوات الأقباط وتأييد الكنيسة. وإذا اعتبرنا ان هذه السيناريوهات تحمل بعضا من عجائب لعبة التحالفات السياسية داخل البرلمان فإن أعجب العجائب حملته صحيفة "الأخبار" أمس حين ذكرت ان حزب النور السلفي يعرض التعاون مع الليبراليين.. والاخوان يغازلون الجميع بينما تؤكد الكتلة انها لن تتحالف مع السلفيين ويفضل الوفد البقاء في المعارضة. وعلي النقيض من ذلك ذكرت صحيفة "المسائية" أمس ان الحرية والعدالة يغازل المستقلين للحصول علي الأغلبية والكتلة المصرية تخطط للتحالف مع التيار الاسلامي. وقبل ذلك صرح الشيخ عبود الزمر بان جماعته وحزبه "البناء والتنمية" أقرب إلي الاخوان من السلفيين وانه لا يستبعد التحالف مع الحرية والعدالة تحت القبة.. كما صرح ممدوح اسماعيل نائب رئيس حزب الأصالة بان التحالف الذي يضم النور والبناء والتنمية والأصالة هو تحالف انتخابي فقط وليس تحالفا سياسيا.. وهاتان إشارتان مهمتان إلي إمكانية تفكك تحالف النور ليخرج منه البناء والتنمية والأصالة لينضما ربما إلي الحرية والعدالة. في أوروبا والدول المتقدمة تعطي السياسة مشروعية أخلاقية كاملة للعبة التحالفات.. فلا شيء مستبعد أو مستهجن.. لأن المعارك السياسية هناك تدور في فلك السياسة فقط.. والصراع هناك صراع سياسي وليس صراع استئصال وتكفير وتخوين.. وإذا أردنا أن نمارس الديمقراطية بشكل صحيح ونمارس لعبة التحالفات بشكل طبيعي فلابد أن يعترف الجميع بالجميع.. فلا يكون الاسلاميون ظلاميين وجهلة ورجعيين ولا يكون الليبراليون واليساريون واليمينيون كفرة وملحدين.. وإلا فكيف يتحالف السلفي غدا مع الليبرالي؟! وفي أوروبا والدول المتقدمة تلعب الأحزاب الصغيرة دورا مهما وخطيرا في تشكيل التحالفات وتحقيق التوازنات داخل البرلمان.. ومن ثم تحصل علي امتيازات ويكون لها صوت مسموع ولا تستسلم لكونها أحزابا صغيرة ولها مقاعد أقل.. فالكل يخطب ودها وهي التي تستطيع أن تجعل الأغلبية متحركة من حزب لآخر. وفي كل الأحوال فإن البرلمان المقبل سيكون بمثابة تجربة حول كيفية ممارسة الديمقراطية.. حيث اننا نسمع عن الديمقراطية في الدول الكبيرة ولم نمارسها إلا بشكل صوري أيام النظام الساقط.. وليس من سمع عن الديمقراطية كمن عايشها وخبرها.. لذلك فلابد أن نعترف اننا نلعب الديمقراطية معا لأول مرة.. ونكتشف الديمقراطية معا لأول مرة.