جلس في الكازينو يترقب وينتظر شخصاً ما. ينظر هنا وهناك. يحملق في وجوه الناس. بين دقيقة وأخري ينظر في الساعة وبحركات لا ارادية يدق أصابعه علي المنضدة. وبدأ ينظر يتأمل مياه النيل. ضوء القمر. وفجأة إذ بفتاة ساحرة قادمة من بعيد متجهة ناحيته. فبدا عليه الانتعاش لرؤيتها ودبت السعادة في كيانه ووقف بابتسامة مشرقة رحب بها وسلم عليها. وجلسا سوياً يتهامسان ويتعاتبان في رقة وشيء من الدلال. - لقد تأخرت كثيراً وانتظرتك أكثر وأنت تعرفين جيداً أنني أكره الانتظار. فلم هذا التأخير؟ فقالت وهي تبتسم - أعلم أنك تكره الانتظار. ولكن ماذا أفعل في المواصلات؟! هنا ضحك ورد عليها قائلاً: - هذا عذر مقبول جداً منك فالمواصلات فعلاً مشكلة. والشقة أصبحت مشكلة أكبر والطرق والمجاري والتليفونات وكافة الخدمات حتي أصبحت القاهرة لا تصلح للحياة الآدمية فكل شيء فيها مخنوق. فقالت وهي تكاد تكون مندهشة من قائمة المشاكل هذه: - بالمناسبة ماذا فعلت في موضوع الشقة؟ - فرد عليها قائلاً: بحثت كثيراً ولم أجد فالشقة إما ايجارا بمقدم 30 ألف جنيه أو تمليكا بسعر 100 ألف جنيه. إنني لا أجد صعوبة في الحصول علي شقة في القمر أو في الصحراء ولا يمكن ان أجدها في القاهرة. هذا حلم. هذا خيال. هذا وهم. وهنا طرأت له فكرة جيدة. كانت تراوده من قبل لم يقدم علي تنفيذها لأنه كان في غني عنها ولكن الآن فهو في أشد الحاجة إليها فتذكر فوراً قوله في الصحراء وأخذ يعيده ويتأمله ويعيده ويتأمله. وأخذتها الدهشة عندما سمعته يعيد قوله في الصحراء ولم تعرف ماذا يقصد بذلك فسألته مستفسرة. - ماذا تعني بالصحراء؟ ورد عليها قائلاً وهو في حالة شرود الذهن: - إنني احلم أن نأخذ قطعة أرض بها مسكن متواضع في النوبارية. إنني أحلم ان أزرع بيدي وأسقي الزرع بيدي واحمل الفأس بيدي وأحصد بيدي وأحمي الأرض بيدي إنني أحلم ان أري الخضرة من علي يميني ومن علي يساري. تحوطني من كل جانب وأنت بجانبي تساعديني وتشجعيني. وهنا بدا علي وجهها الدهشة والاستغراب وقالت: - أنترك القاهرة؟ أنترك الليالي الساهرة؟ أنترك أهلينا وأصدقاءنا؟ أنترك المدينة وشهادتنا ووظائفنا؟ ونذهب للصحراء. هذا مستحيل هنا قاطعها ورد عليها بعزم وتصميم. - نعم نترك كل هذا ونذهب للمستقبل فإن كان حلماً فلنحاول ان نجعله حقيقة وان كان مستحيلاً فلنحاول ان نجعله ممكنا. سنتعب كثيراً ولكن سنرتاح أكثر وأكثر. سيقابلنا أشياء وأشياء. وسيعاندنا أشياء وأشياء. ولكننا سنحقق الحلم وسنجعل منه بداية الأحلام. وهنا وقف وأمسك بيدها بقوة قائلاً: - هيا بنا نحقق الحلم المفقود من الآن.