أصبحنا ندور في حلقة مفرغة من الاتهامات المتبادلة بين السلطة الحاكمة المتمثلة في الجيش والشرطة والحكومة من ناحية والثوار الحقيقيين الذين همشوا عن عمد وراكبي الثورة من حركات وتيارات وأحزاب ورجال أعمال وناشطين وبعض الطامعين في الحكم من المرشحين المحتملين للرئاسة من ناحية أخري. سيناريو قبيح يتكرر ولا جديد فيه ولا محاولة لتغيير واقعه المر.. مظاهرة أو اعتصام سلميان هما حق قانوني ودستوري للجميع.. ثم سرعان ما يتحول أيهما إلي معركة حربية بالمولوتوف والطوب والرصاص الحي والمطاطي يسقط فيها شهداء وقتلي ومصابون من الجانبين ويتم خلالها التعدي علي منشآت حيوية وأملاك خاصة.. ثم تنطلق الاتهامات.. هذا يخّون ذاك ويتهمه بأنه "قابض" لتنفيذ مخطط خارجي أو داخلي. وذاك يتهم هذا بالاستخدام المفرط للقوة والوحشية والهمجية وانه ليس هكذا تدار الأوطان!! وحتي نكون منصفين يجب القول.. انه "ليس هكذا ولا هكذا" تدار الأوطان. لا هي تدار باستخدام القوة المفرطة مع الجميع دون تميير.. عاطل في باطل. ولا تدار أيضا بالتعدي علي قوات الحماية وحرق منشآت الدولة وتراثها ومنع الحكومة من دخول مقرها وغلق الشوارع والميادين وتعطيل مصالح الناس.. هذا مرفوض وذاك أيضا. السؤال: وما هو الحل؟!! الحل يكمن في كلمتين لا غير: القانون والشفافية. اننا لن نخترع أو نبتكر شيئا من العدم.. بل المفروض أن نعمل مثلما كل الدول الديمقراطية تعمل في مثل هذه الظروف وكما هو موجود في كل دساتير وقوانين العالم الحر.. وأن يطبق الجيش والشرطة والحكومة ذلك بشفافية خلال الفترة الانتقالية ويستمر نفس التعامل بعد استقرار البلاد برئيس وبرلمان منتخبين وحكومة مثل كل الحكومات.. ويتحقق ذلك علي النحو الآتي: * أولاً.. ان حق التظاهر والاعتصام مكفول للكافة طبقا لكل الدساتير والقوانين والمعاهدات الدولية.. وكما نص عليه الاعلان الدستوري لدينا.. وبالتالي فلا يجوز المساس من قريب أو بعيد بمتظاهر أو معتصم يعبر عن رأيه بسلمية حتي ولو لم يكن له قضية حقيقية من الأصل. * ثانياً.. في كل بلاد العالم.. فإن المظاهرات والاعتصامات السلمية مقننة.. أي لابد أن يصدر بأيهما تصريح رسمي لا يجوز المماطلة في اصداره ويحدد به الموعد وخط السير.. طالت المدة أو قصرت وضاق النطاق أو اتسع.. وبحيث يؤدي الأمن واجبه بحماية المتظاهرين والمعتصمين. * ثالثاً.. ولأنه وارد جدا بل أصبح القاعدة لدينا أن يندس مخربون وسط المتظاهرين والمعتصمين.. يجب معاملة هؤلاء المخربين فقط الذين يهاجمون المنشآت الحيوية والمرافق بالقانون والاستناد إلي ما تفعله باقي الدول في مثل هذه الحالات. تري ماذا تفعل أمريكا عندما يهاجم أحد البيت الأبيض أو مبني الكونجرس أو البنتاجون أو محطة كهرباء أو يغلق شارعا أو ميدانا ويمنع المرور بهما.. ونفعل نفس الشيء. نري ماذا تفعل بريطانيا عندما يهاجم أحدا داوننج ستريت "مقر الحكومة" أو مجلس العموم "البرلمان" أو مبني يحمل تراث البلد.. ونفعل نفس الشيء. تري ماذا تفعل فرنسا عندما يهاجم أحد قصري الإليزيه "الرئاسة" أو "المارينييه" "الحكومة" أو جامعة السوربون أو يحاول هدم برج ايفل أو قوس النصر.. ونفعل نفس الشيء. نري ماذا تفعل المانيا عندما يهاجم أحد مقر المستشارية أو البوندستاج "البرلمان" أو يحاول هدم بوابة برلين التاريخية.. ونفعل نفس الشيء. التعامل ليس اختراعا.. لكنه مقنن في كافة دساتير وقوانين العالم.. ويقيني ان أي دولة من هذه الدول وغيرها لن يقف الأمن مكتوفي الأيدي أو ينظم تشريفة بالبروجي للمهاجمين. * رابعاً.. إذا حدث تجاوز من الجيش أو الشرطة تجاه المتظاهرين أو المعتصمين السلميين وهو وارد أيضا ويحدث فعلا.. فلابد من الاعتذار الرسمي والعلني وهذا ليس عيبا وبدء التحقيق الفوري والشفاف مع مرتكبي التجاوز وإعلان النتائج علي الملأ. هنا.. وهنا فقط.. تتحقق المصداقية والشفافية.. ولا يجد أصحاب المصالح ورقة يلعبون بها. ألا هل بلغت.. اللهم فاشهد.