"شجرة الحياة" للمخرج الأمريكي تينسي ماليك عمل يبدو مثل قطعة فنية فريدة. أو كمعرض صوري مذهل لتجليات الوجود. وللطبيعة. لأصل الكون!!..عمل يمكن أن يشدك إلي ما لا نهاية. ولكنك في النهاية يشعرك بالإحباط.. حاولت أن أتأمله من جديد بحثاً عن امتاع ينبع من الاندماج المريح فلا يكفي الاحترام البالغ لقدرة المخرج علي الابداع البصري ولا الأداء التمثيلي الكامل للممثل براد بيت وشين بين.. هناك بالقطع أشياء كثيرة يريد أن يخلص إليها صانع الفيلم الحاصل علي جائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان الأخير.. والمعروض في عدة مهرجانات دولية أخري والذي يلاقي حفاوة نقدية من الجمهور في الغرب. وعلي عكس ما توحي به بداية المقال فإن الفيلم يرتكز علي قصة بسيطة تتناول حياة أسرة أمريكية تعيش في ولاية تكساس إبان الخمسينيات من القرن الماضي. الأب: مستر أوبراين "براد بيت" وزوجته "جيسكا كاستين" وثلاثة أبناء ذكور. نعلم بعد فترة وجيزة بموت أحدهم من خلال تلجراف تتسلمه الأم.. الصدمة قاسية وتداعياتها تنعكس علي مجريات أمور الأسرة. جاك الابن الاكبر.. يتجاوز مرحلة الصبا. أنه الآن مهندس "شين بين" مدير في شركة حديثة مبناها من الصلب والزجاج. تحيطه ناطحات سحاب. يستعيد طفولته في ذلك الزمان وفي ذلك المكان الرائق. الأخضر وسط الأعشاب. مع أقرانه أبناء الجيران.. يستعيد العلاقة المضطربة مع والده. ارتباطه العاطفي الدافئ مع أمه.. يتذكر لحظات قسوة. ولحظات تقارب وتباعد.. الأب والأم علي طرفي نفيض الحيرة والحزم. في مقابل النعومة والطيبة والتسامح علاقة الأب الأم ليست طبقة. ولا تبدو حميمة.. الصوت الخارجي للراوي المتأمل يطرح أسئلة تبحث عن إجابات. فكرة الموت المبكر للأخ. الذي يموت دون أن نعرف سبب الوفاة. تجعله يفكر في الأبدية. في جوهر الإيمان.. في الموت. هذه التأملات الممتدة بدت وكأنها رحلة بصرية لميلاد الكون.. وأسرة "أوبريان" في مركزه. حركة الكواكب. وانفجار البراكين. النجوم والمجرات. والزلازل. الديناصورات فترة تمر والمتفرج وجاك نمارق في تجليات الطبيعة في مظاهر الكون والكواكب والخليقة. ووسط هذه الرحلة العصرية المذهلة لتأملات "جاك" حول الخليقة وعملية النشوء والتطور وأحوال الكواكب. والمجرات تلاحظ المستوي اللافت للتصوير الرائع لإمكانيات الصورة وسط هذا كله تطل من في زيارة سريعة صورة الأم "مسز اوبراين" التجسيد الطيب للمحبة. وتظهر صورة الأب السيد اوبراين بهيئة الكلاسيكية وإحباطه أحياناً وابتهاجه لحظة ميلاد الابن الأكبر الذي تبدو قدمه الصغيرة محاطة بكفي الأب في لقطة فترة أنها لحظة الميلاد. الأب هنا مزيج من القسوة والحب. وأحياناً التقلب المزاجي الكاشف عن طبيعته.. جاك الابن الأكبر الذي يلعبه شين بن. الشخصية التي مازالت مؤرقة فكرة موت الأخ. مشغولاً بالأسئلة التي لن تجد لها اجابة.. انه اشبه بروح ضائعة. هائمة قلقة. الفيلم مزيج من التأملات الفلسفية والتجربة الإنسانية. وهو في النهاية عمل خاص جداً ومختلف تماماً لمخرج متفرد لا تستطيع أن تختلف حول أهمية أفلامه. كل أفلامه دون استثناء.. وقد أخرج تيرنس مالك خمسة أفلام في 38 سنة ومنها فيلم ممتع جداً. بعنوان "خيط أحمر رفيع" 1998 وفيلمه الأول "باولاندلز" "1973" اعتبره النقاد كبداية قوية جداً تشبه بداية أدرسون ويلز "المواطن كين".. تيرنس مالك يعتبر من صناع الفيلم المفكر صاحب رؤية تعبر عنها أفلامه. وقد نشأ كمزارع يعمل بيديه قبل أن يدرس الفلسفة في جامعة هارفارد. وبعد تخرجه التحق بكلية "ماجدلين كولدج" في اكسفورد ولكنه تركها قبل أن يكمل دراسته.. سيرة حياته تفسر بعض توجهات وثراء خلفيته الثقافية. جده هاجر إلي الولاياتالمتحدة من قرية جوتابا في شمال غرب إيران أي أنه من أصل إيراني وقد عاش فترة في فرنسا. يقول عن أول أعماله في مجال الاخراج: لقد حاولت أن أبقي علي فترة الخمسينيات في الحدود الدنيا. من مشاعر الحنين إلي الماضي "النوستالجيا" قوية ويمكن أن تجرف المرء بعيداً عن أي شيء.. لقد أردت أن أتعامل مع الفيلم كقصة خرافية. خارج الزمن مثل "جزيرة الكنز". آملاً ضمن أشياء أخري أن ابتعد عن حدة العنف وأن أبقي علي المشاعر الحالمة.. الفيلم إلي مرتبة الفن الإبداعي الخالص وذلك لأنه مخرج مفكر. يكتب بالسينما ويتأمل الفلسفة والحياة. والتاريخ والقضايا الكبري من خلال الفيلم..