أوضح الإمام الشيخ محمد عبده في فتواه في أوائل القرن العشرين. حول ضرورة الفنون الجميلة من رسم ونحت للناس المعاصرين. كيف أن الإيطاليين يحرصون علي حفظ الصور المرسومة علي الورق والنسيج. وتحدث عن احتفاظ الأمم الكبري بمثل هذه الآثار في متاحفهم. وعلي تنافس الأوروبيين علي اقتنائها .. حتي أن القطعة الواحدة من رسم رافائيل مثلا ربما تساوي مائتين من الآلاف وكذلك الحال في التماثيل .. ثم يقول: "إنه بالإمكان معرفة أسباب حرص الأوروبيين علي اقتناء هذه الرسوم والتماثيل بمعرفة ما كان عليه السلف العربي من حرص علي حفظ الشعر وضبطه في دواوينه والمبالغة في تحريره خصوصا شعر الجاهلية" . ثم يقول في الصورة: لقد حفظت هذه الرسوم من أحوال الأشخاص في الشئون المختلفة ومن أحوال الجماعات في المواقع المتنوعة ما تستحق به أن تسمي ديوان الهيئات والأحوال البشرية. يصورون الإنسان أو الحيوان في حال الفرح والرضا والطمأنينة والتسليم. وهذه المعاني المدرجة في هذه الألفاظ متقاربة. ولا تسهل عليك تمييزها بعضها من بعض. ولكنك تنظر في رسوم مختلفة فتجد الفرق ظاهرا باهرا. يصورونه مثلا في حال الجزع والفزع والخوف والخشية. والجزع والفزع مختلفان في المعني.. كما يختلفان فيه عن الخوف والخشية. وإنك إذا نظرت الرسم وهو ذلك الشعر الساكت تجد الحقيقة بادرة لك. تتمتع بها نفسك كما يتلذذ بالنظر فيها حسك.. وحفظ هذه الآثار حفظ للعلم في الحقيقة.. هذا ويقول الإمام الشيخ في حكم الشريعة الإسلامية عن الصور والتماثيل . مفسرا ما جاء بالحديث الشريف عن عذاب المصورين يوم القيامة مايلي: "يغلب علي ظني أن هذا الحديث جاء عن أيام الوثنية. وكانت الصور تتخذ في ذلك العهد الأول للهو والثاني للتبرك بمثال من ترسم صورته من الصالحين. والأول مما ينقضه الدين. والثاني مما جاء الإسلام لمحوه. والمصور في الحالين شاغل عن الله أو ممهد للشرك به فإذا زال هذان العارضان وقصدت الفائدة كان تصوير الأشخاص بمنزلة تصوير النبات والشجر في المصنوعات كما في حواشي المصاحف وأوائل السور. ولم يمنعه أحد من العلماء. من أن الفائدة في نقش المصاحف موضع النزاع. أما فائدة الصور فمما لا نزاع فيه علي الوجه الذي ذكره".. ثم يستطرد الشيخ الإمام قائلا."يغلب علي ظني أن الشريعة الإسلامية أبعد من أن تحرم وسيلة من أفضل وسائل العلم بعد تحقيق أنه لا خطر فيها علي الدين لا من جهة العقيدة ولا من جهة العمل". ولقد ألقي الشيخ محمد رشيد رضا مزيدا من الضوء علي هذا الرأي. فأكد في فتوي له نشرها في أوائل القرن العشرين " أن التصوير ركن من أركان الحضارة ترتقي به العلوم والفنون والصناعات والسياسة والإدارة. فلا يمكن لأمه تتركه أن تجاري الأمة التي استعملته. ولكنه إذا استعمل في العبادات يفسدها لأنه يحولها الي وثنية. وقد كان النهي عن اتخاذ الصور من الوصايا العشر التي كانت في ألواح موسي عليه السلام. وهو نص لا يزال ثابتا في التوراة التي في أيدي أهل الكتاب. لأن التوحيد الذي هو أساس دين جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا يتفق مع اتخاذ الصور اتخاذا دينيا. ولكن القرآن الكريم اكتفي بإثبات التوحيد بالبراهين العقلية والكونية والأمثال التي يجعل المعني المعقول كالشيء المرئي بالعيون الملموس بالأكف. وأوضحه بذلك وبفنون من البلاغة تستولي علي القلوب وتحيط بالفكر والوجدان من جميع نواحيه. فلم تبق من هذا حاجة للنهي عن اتخاذ الصور والتماثيل. وإنما نهي عنها النبي قبل نزول جميع القرآن ووصوله الي الناس . لقرب عهدهم بالوثنية. ولو كان اتخاذ الصور والتصوير الذي اتخذ ذريعة من المحرم لذاته علي الإطلاق أو لضرر فيه لا ينفك عنه مطلقا لكان محرما علي ألسنة الأنبياء. ولما امتن الله علي سليمان عليه السلام بقوله: "يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل .. إلي قوله "اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور "قد جعل ذلك من النعم التي يشكر الله تعالي عليها".