يفتخر التاريخ العربي بما قدمه للعالم من اعمال فنية تتمثل في الرسوم والتماثيل التي انتجت في العصور الذهبية للحكم العربي مثل العصر العباسي.. وتحتفظ متاحف العالم الغربي بخمس نسخ قديمة من كتاب "مقامات الحريري". كتبت بيد خطاطين مختلفين. وزينت صفحاتها برسوم ملونة اشتهرت باسم المنمنمات. التي اختص بها الفن العربي دون كل الفنون السابقة علي العصر العباسي واللاحقة له. أشهر مخطوط لمقامات الحريري بباريس ويرجع تاريخه الي عام 1236 ميلادية وأجملها محفوظ بالمكتبة الوطنية بباريس ويرجع تاريخه الي عام 1236 ميلادية. ومنسوب الي بغداد.. ويرجع سبب شهرة هذه النسخة وتفضيلها علي النسخ الأربع الأخري فيرجع الي جمال ودقة الصور والمنمنمات التي تزينها. في نهاية هذا المخطوط سجل الفنان الذي كتبه ورسمه وزينه اسمه. علي الوجه التالي: فرغ من نسخها العبد الفقير الي رحمة ربه وغفرانه وعفوه يحيي بن محمود بن الي الحسن بخطة وصوره آخر نهار يوم السبت السادس من شهر رمضان سنة اربع وثلاثين وستمايه حامدا الله وتعالي". و"يحيي الواسطي". الفنان الذي كتب هذا المخطوط ورسمه وزينه بالصور والزخازف يعتبر أشهر وأكفأ فناني العصر العباسي. وقد احتفل في العراق منذ سنوات بمرور خمسمائه علي وفاته.. وطبعت عدة كتب عنه وعن فنه كما نشرت نماذج من رسومه علي صور مكبرة بالألوان في عدة مناسبات باعتباره أفضل نموذج لفن الرسم العربي في مدرسة بغداد التي ازدهرت خلال العصر العباسي. وتعتبر أهم ميزة في اسلوب الواسطي هي اهتمامه بتماسك التكوين. بحيث تتكامل عناصر العمل الفني في شكل لوحة متينة البناء.. فلكل عنصر من العناصر المرسومة وظيفة جمالية. وكلها مترابطة في بساطه ووضوح .. ومن خلال رسوم الواسطي لكتاب مقامات الحريري نستطيع ان نتعرف علي اشكال الملابس في العصر العباسي. وكذلك زخارف البيوت. واشكال الموائد واطباق الطعام. كما نلاحظ التزامه بالمميزات المعروفة بالفن العربي والتي تسمي "احترام السطح". ومعني هذا ان الفنان لا يعطي في رسومه احساسا بالعمق أو التجسيم عن طريق التظليل لكن يستخدم بدلا من ذلك ترتيب العناصر خلف بعضها فيختفي البعيد وراء القريب. فتظهر العناصر مرسومة بمساحات لونية ليس فيها أي تدرج. ومع ذلك يسهل معرفة البعيد والقريب. وقد تميز المخطوط بأن لوحاته تصور العادات والتقاليد التي كانت متبعة في ذلك الوقت . مثل قافلة الحج. والفرسان باعلامهم وابواقهم عند استقبال الخليفة. وتقاليد الدفن وما الي ذلك.. ان هذا المخطوط برسومه يقدم معلومات تاريخية ومميزة عن العصر العباسي لهذا يعتبر فن الرسم ذاكرة تاريخية لا تستوجب محاربتها كما ينادي البعض في عصرنا الحاضر. الواسطي جعل من التعبير عن المواقف والانفعالات بواسطة ملامح الوجوه قيمه فنية تزيد عن القيمة الزخرفية في هوامش المخطوط. الي جانب هذه المميزات ترجع شهرة هذا المخطوط الي التجانس اللوني الرائع في الرسوم. فموهبته تتجلي في تحقيق الانسجام والتوازن بين الألوان . لقد استطاع الواسطي ان يتخلص من التفاصيل الصغيرة. وقام بتلخيص الأشكال وتجريدها من التفاصيل غير الهامة. مع الاهتمام بالتكوين الزخرفي العام لهذا تعتبر رسومه أروع ما وصلنا من مدرسة الرسم العربي خلال العصر العباسي.