لم نسلم بعد من وثيقة السلمي وتداعياتها الكارثية.. ومع ذلك ظهرت وثيقة جديدة يتم الترويج لها الآن.. وهذه ستكون أشد إثارة للفوضي والاضطراب.. وقد تدخل بنا لا قدر الله إلي النفق المظلم الذي نخشاه.. خصوصاً أن الإعلان عنها يأتي قبل أيام قلائل من إجراء الانتخابات البرلمانية التي تمثل أول طوبة في بناء النظام الديمقراطي للدولة الجديدة. وتدعو الوثيقة إلي التحول عن الانتخابات البرلمانية والمسار الحالي بالكامل الذي حدده استفتاء 19 مارس الماضي والاتجاه إلي مسار مختلف تماماً.. وكأننا نعود إلي الوراء ونبدأ من جديد. الوثيقة الجديدة تحدثت عنها صحيفة "المصري اليوم" في عددين متتاليين الجمعة والسبت الماضيين وهي عبارة عن مذكرة شارك في اعدادها والتوقيع عليها مجموعة من الناشطين والمثقفين وممثلي القوي السياسية أبرزهم: د. أسامة الغزالي حرب. ود. محمد البرادعي. وعبدالجليل مصطفي. ود. محمد أبوالغار. ود. طارق الغزالي حرب. وجلال عامر. ووسيم السيسي. وعلاء الأسواني. وسكينة فؤاد.. وأيدهم د. يحيي الجمل. وياسين تاج الدين. وحسين عبدالرازق. وقالت "المصري اليوم" إن هذه الشخصيات ستقوم بحملة لجمع التوقيعات علي المذكرة.. ثم تقدمها إلي المجلس العسكري وسيتم بحث وسائل الضغط لتنفيذها. وبكلام واضح وصريح تطالب المذكرة بالعدول عن المسار الحالي للخروج من المرحلة الانتقالية الذي يبدأ بانتخابات برلمانية وينتهي بانتخابات رئاسية والدخول إلي مسار آخر يقوم علي خمس خطوات كما يلي: ** تشكيل حكومة إنقاذ وطني من شخصيات وعناصر تعبر عن روح الثورة مع استمرار المجلس العسكري في أداء دوره لمهام رئاسة الدولة. ** انتخاب جمعية تأسيسية لوضع الدستور الجديد علي غرار التجربة التونسية. ** انتخاب رئيس للجمهورية وإنهاء مهمة المجلس العسكري. ** الإعداد للانتخابات التشريعية "البرلمانية" وفقا للدستور الجديد. ** إجراء حوار وطني شامل حول وثيقة السلمي تشترك فيه كل القوي السياسية والحكومة والمجلس الأعلي للقوات المسلحة للوصول إلي توافق وطني حقيقي حول المبادئ الأساسية للدستور المنشود بهدف حماية الحريات الأساسية وديمقراطية النظام الجديد. ويقول المؤيدون للوثيقة إنها "تصحيح مسار" للمرحلة الانتقالية التي تتطلب من الجميع الالتفاف حولها لكي تخرج بمصر من حالة الفوضي والضبابية التي تعيشها الآن. والواقع أن هذه الوثيقة أو المذكرة تمثل وبالا جديداً علي مصر والمصريين لأنها تتطلب إلغاء الانتخابات البرلمانية التي نحن بصددها.. وهذا في حد ذاته كارثة لن يقبل بها أحد. هل يمكن اقناع المرشحين لمجلسي الشعب والشوري من الحزبيين والمستقلين بتأجيل الانتخابات عاما أو عامين حتي يتم انتخاب رئيس الجمهورية والجمعية التأسيسية للدستور وانجاز الحوار حول وثيقة السلمي؟! أغلب الظن أن هؤلاء وهؤلاء سوف يعترضون بشدة.. وسيرفعون أصابع الاتهام بأن هناك مؤامرة لعدم استكمال الانتخابات بعد أن أنفقوا من أموالهم الكثير وبعد أن اتخذت كافة الإجراءات من قبل اللجنة العليا للانتخابات. ولن يسلم الأمر من خروج مليونيات جديدة إلي ميدان التحرير ضد هذا التحول الذي تطالب به الوثيقة الجديدة.. وفي النهاية سنجد أنفسنا في انقسام وانشقاق كبيرين.. والله وحده هو الذي يعلم إلي أي مستقر ستصل بنا الوثيقة "المذكرة". لقد كان من الممكن أن يطرح هذا المسار يوم 12 فبراير 2011 بعد تنحي مبارك مباشرة.. وكان من الممكن أن نوافق عليه ونتجه وفق الخارطة التي رسمها.. أما الآن فالوقت لا يسمح.. ولا يمكن التراجع عن استكمال الانتخابات البرلمانية وإلا تعرض البلد لفتنة هائلة. ليس هذا وقت الاقتراحات والوثائق وتغيير المسار.. وإنما وقت العمل الجاد لاستكمال المشوار الذي بدأ بإرادة الشعب عبر استفتاء 19 مارس الماضي وحدد المحطات في انتخابات برلمانية ثم وضع الدستور ثم انتخابات رئاسية.. وما دون ذلك عبث واضطراب واستهتار بإرادة الشعب.