بمجرد نظرة إلي الساحة الأدبية الراهنة. يمكننا أن نلاحظ أن زمن القراءة الجميل قد وليَّ. فينتابنا من جراء ذلك قلق كبير علي ماآل نتاج كتابنا الأدباء. بدءاً من نجيب محفوظ -الحائز علي نوبل- إلي أقلهم حظاً من الذيوع والشهرة. والذين أصبحوا -فيما يبدو- يكتبون لأنفسهم. أو علي أحسن الفروض لعدد محدود للغاية من القراء. ويمكننا أن نعدد أسماء كثيرة من كتابنا الأفاضل الذين منحوا حياتهم للأدب دون ان يحصلوا في المقابل علي شيء. ونذكر من هؤلاء كاتبنا المتميز عبدالمنعم شلبي. الذي فقدته الحياة الأدبية في السنة الماضية. والذي قدم للمكتبة العربية 6 مجموعات قصصية. 4 روايات. كتاب في الدراسات الأدبية. كتاب في أدب الرحلات.. وتضم هذه المجموعة تسعاً وعشرين قصة. تتراوح من حيث الشكل بين الواقعية والسريالية والرمزية ومن حيث المضمون فإن هذه القصص تصور أزمة الإنسان المصري المعاصر حيرة وقلقاً وخوفا وتأملاً تجاه مجتمعه. وما ينتابه من تغيرات وتطورات وما يعترضه من مشكلات وسنكتفي بتطبيق ذلك علي ثلاث من قصص المجموعة هي: "جفاف رغم هطول المطر" و"تخدع وتطير" و"نبتسم أحياناً". تبدأ قصة " جفاف...." بداية واقعية بموقف عادي بين زوج وزوجته حيث إنها كما يقول تجمع دائماً بين "البلع والمضغ" وجرش الكلمات هو يتأملها بألم. يزدريها ويزدري نفسه. يدير وجهه عنها نحو الجدار. وأخيراً لملم غضبه وكوره في نظرة حادقة. قذف بها "الشقة" وما فيها ومن فيها واندفع خارجاً باحثا في هذه الدنيا عن شيء جميل. لكنه لم يعثر علي ذلك الشيء. وبدلاً من ذلك كان عليه ان يواجه شارعاً مضطرباً مزدحماً مخنوقاً. غاصاً بكل المتناقضات من مارة وشحاذين وباعة يفترشون الرصيف. إلي عربات كارو وسيارات بل إن تعليقات من هؤلاء سرعان ما بدأت تلاحقه.. أما قصة "تخدع وتطير" فإن الكاتب اختار لها موقعاً. يمثل حداً فاصلاً بين البر والبحر. وزماناً فاصلاً بين الليل والنهار هو وقت الفجر. بالإضافة إلي أسلوب شاعري ناعم. وذلك كتمهيد موفق لتجسيد تلك اللحظة الفارقة التي يريد أن يصورها. فشخص القصة يقف أمام البحر. ينصت كما تقول القصة للحنه الأزلي. وفي يده كأس ملأها من ريق الفجر الفضي الصافي. فيما يشبه صلاة خاشع يتضرع ويستجدي ومضة روح. وحين عاد ينظر إلي البحر فوجئ بها تتجه إليه هل انشقت عنها موجة؟ أي جمال هذا! وحين اقتربت منه أشارت إليه فتبعها دون ان ينطق بحرف. وهي تمشي بين الرمل والماء. علي شاطئ هلالي في عمق الأفق واتساعه. إلا أنها توقفت وفتحت ذراعيها تستقبل بصدرها قرص الشمس وهو يولد من رحم الأفق. وفجأة طارت وحلقت ثم اختفت. فالقصة أقرب إلي لوحة سيريالية. فإذا انتقلنا إلي قصة "نبتسم أحياناً" فإننا نري شخصيتين رئيسيتين: رجل يقف أمام باب. يراقب ويلوح بيديه محذراً طفله الصغير. الذي يغيظه بشقاوته كما تقول القصة. فيتركه الطفل -الشخصية الثانية- ويمضي ليلعب مع قرنائه من الأطفال. ويدخل معهم في سباقات محمومة. وحين تميل الشمس من فوق رءوسهم يلتقي بفتاة جميلة تتحمس وتصفق له دون غيره. إلا أنه بعد ذلك يختار فتاة أخري ليست جميلة ولا تتحمس لأحد. ثم يعود بها إلي الرجل الذي كان لا يزال واقفاً في مكانه وإن اعتراه بعض التغيير فقد وهنت نظرة عينيه وأصبحت محايدة. القصة تصور في اختزال شديد ونعومة. دورة حياة الانسان وتوالي الأجيال وتناوب الأدوار بين كل من الجد ثم الابن. ثم الأحفاد.