إذا كان "الدكتور" بشار الأسد قد لجأ إلي خيار القوة والقمع في مواجهة شعبه. فإن الدكتور المنصف المرزوقي أستاذ الطب النفسي والعصبي بالجامعات الفرنسية الذي سيصبح خامس رئيس لبلاده منذ استقلالها عن الاستعمار عام 1957 وصل إلي هذا المنصب بعد حياة حافلة بالدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان ورفض الاستبداد. وهو الموقف الذي دفع ثمناً غالياً بسببه في سجون الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي وكان يمكن أن تزيد فترة سجنه لولا تدخل بعض المنظمات والشخصيات العالمية مثل نلسون مانديلا. وبعد اطلاق سراحه ظل يوجه النقد العنيف إلي نظام حكم بن علي ويتعرض للاعتقال والتحرشات حتي انتهي الأمر لمغادرة تونس إلي فرنسا قبل عشر سنوات وهناك عمل استاذاً في إحدي جامعات فرنسا إلا أنه لم يعتزل العمل السياسي وظل يهاجم بن علي بضراوة ويصفه بصفات عديدة أخفها "الرئيس الشرطي الذي حول تونس إلي ثكنة عسكرية" وكان يرفض المنطق الذي يروج له البعض بأن ديكتاتورية بن علي المستنيرة أفضل من ظلام وتخلف يمكن أن تغرق فيها تونس إذا ما تولي الإسلاميون الحكم!! هذا رغم أنه لايعد محسوباً علي الإسلاميين.. وكان يري أنهم إذا وصلوا إلي الحكم سوف يتبنون الخيارات الديمقراطية رغما عنهم.. لأننا نعيش في عصر الديمقراطية وربما كان هذا هو السبب الذي جعل حزب النهضة يقبل به رئيساً. وكان يكثر من الحديث عن الآلة الأمنية القمعية التونسية التي تفننت في ترويع الشعب وكان يقول إن الترويع وصل إلي الاعراض كما حدث مع المعارضة المعروفة سهام بن سيدرين التي قامت أجهزة الأمن التونسية بتلفيق صور فاضحة لها. ووصل الأمر بالمنصف المرزوقي الذي درس الطب في فرنسا وتخرج من جامعة ستراسبورج إلي إصدار كتاب بالفرنسية في عام 2009 بعنوان "يوم تفتحت الزهور في الصحراء" كان الكتاب عبارة عن خلاصة لمساجلات بينه وبين المحلل السياسي الفرنسي "فانسان جيسار" تنبأ فيها المرزوقي بسقوط نظام بن علي وكافة النظم الاستبدادية في العالم العربي وأكد أن الديكتاتورية ليست قدراً يتعين علي العرب الرضا به ورفض المقولة الشائعة بأن الديمقراطية شيء دخيل علي العرب وقال في مقدمة الكتاب "سيكون موعدنا مع الفجر الجديد قريباً" وهاجم في هذا الكتاب المفكرين العرب والغربيين الذين يدافعون عن النظم القمعية بحجج مختلفة. وأخيراً عاد إلي تونس في 18 يناير الماضي بعد أربعة أيام فقط من هروب بن علي. ويتولي المرزوقي أو منصف محمد البدوي المرزوقي "66 سنة" الرئاسة بعد اختياره من جانب حزب النهضة ذي المرجعية الإسلامية وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية الذي يرأسه المرزوقي باعتبارهما أكبر حزبين فائزين بعدد مقاعد في الجمعية التأسيسية وقد لعبت المصادفة دوراً في اختياره حيث تم عرض المنصب علي مصطفي بن جعفر زعيم حزب التكتل من أجل العمل والحريات اليساري وقال بن جعفر "71 سنة" انه يحتاج بعض الوقت للتفكير ويبدو أنه تأخر فآل المنصف إلي المرزوقي. وربما كان وراء اختيار المرزوقي كونه من أبناء الجنوب الذي يشكو من التهميش فيما يعد رسالة لهم بان الجنوب سوف يلقي ما يستحق من اهتمام ويعتز المرزوقي بابيه الذي شارك في الكفاح ضد الاستعمار الفرنسي وتعرض للتعذيب.. ويعتقد أنه ورث عنه الروح الوطنية وقد ورثها عنه أيضا أشقاؤه إل"4 ذكور و7 بنات". وسوف يصبح المرزوقي خامس رئيس لتونس منذ استقلال البلاد عن الاستعمار الفرنسي في مارس 1956 وسيخلف المرزوقي الرئيس التونسي "المؤقت" فؤاد المبزع 77 عاما الذي تسلم الرئاسة يوم 15 يناير الماضي وكان محمد الغنوشي "آخر رئيس للوزراء في عهد الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي" شغل منصب رئيس مؤقت في تونس ليوم واحد في 14 يناير 2011 وهو نفس اليوم الذي هرب فيه بن علي إلي السعودية.