فيلم "زهايمر" خلطة ليست متساوية بين الجد والهزل. وحين تزيد جرعة الهزل يتواري المضمون الجيد. وتتوه الرسالة المقصودة وتضيع في ثنايا التهريج ولاتصل الي العنوان الصحيح. مؤلف الفيلم نادر صلاح الدين فيما اتصور كان مسكونا مثل غيره من كتَّاب عادل إمام. بالميراث الفكاهي المحفوظ لنجم الكوميديا فلن يستطيع الافلات منه فانقلب المسار الجاد للأحداث عند أول "يوتيرن" واتجه الي الخلف فتوالت النمر الضاحكة التي يغلب عليها الهزل والمساخر اللفظية والحركية ويغيب عنها المنطق وتصبح النكتة التمثيلية المصورة من مفردات التواصل مع الجمهور الذي بات ينتظر افيهات "بطله" كما هو معتاد. والأرجح أنه لن يتنازل عنها أبدا ذلك لان غريزة الضحك أصبحت مستنفرة تلقائيا مع أول خطوة نحو شباك التذاكر. وكذلك عند التجمهر أمام باب الدخول لصالة العرض. ومع أول "إفيه" نشعر علي الفور بردود فعل الصالة ونري علي الطبيعة مدي "جهوزية" الجموع واستعدادها للضحك. هناك ضغوط قوية متبادلة عند صناعة فيلم من بطولة "الزعيم".. دكتاتورية الجموع المتسلطة علي مقدرات الشباك والايرادات بالتالي. ودكتاتورية "الزعيم" غير المستعد بأي حال للتنازل عن عرشه. وفي كل مرحلة من مراحل "حُكمه" يبتكر خطة مختلفة للبقاء. وقد تصيب في معظم الأحيان وتخيب أحيانا.. فليس هناك استعداد للمغامرة الفنية ولا سعيا للخروج عن "المضمون" طالما بقي الجمهور "عايز كده". علي أي حال في هذا العمل الأخير "زهايمر" اجتهادات ملحوظة وإن كانت قصيرة النفس. وخطوة في اتجاه تغيير الصورة النمطية "للزعيم" وان توارت بسرعة. إعادة التأهيل يلعب عادل إمام شخصية الملياردير محمود شعيب الذي قرر أن يعيد تربية ولديه "سامح" "فتحي عبدالوهاب" وكريم "احمد رزق" وهما شابان تجاوزا سن النضج أحدهما متزوج من امرأة متسلطة "رانيا يوسف" ولديه طفلة "ملك" قريبة جدا من قلب جدها.. والثاني فاسد من رواد الكباريهات.. والاثنان من رجال الأعمال بددا أموالهما واقترضا من البنوك وأصبحا مهددين بالسجن. قرر الأب وهو شخصية كريمة جداً. اعادة تأهيل ولديه بعد اتضاح مؤامراتهما الدنيئة ضده. واصرارهما علي الحجر عليه بدعوي أنه مريض بالزهايمر حتي يستوليا علي ثروته ويسددا ديونهما قبل أن يفتضح أمرهما ويحكم عليهما بالسجن وحتي ينفذ ما انتهي اليه قام اولا ببيع أصوله وسحب كل ارصدته من البنوك. وواصل تقمصه لشخصية مريض "الزهايمر" وبدأ عملية التأديب بالعصا الغليظة. ثم باقتيادهما الي حوض البانيو واغراقهما في رغاوي الصابون واستخدام ليف النخيل الخشن جدا والمؤلم خصوصا إذا لامس الأماكن الحساسة وقد لامسها الأب عن عمد. ثم لجأ الي الترهيب مستخدما بندقية الصيد. واثناء الصيد يصيب القارب الذي يستقله الابنان والزوجة وبالعطب ويصبح الجميع مهددا بالغرق. وفي نمرة تالية يعد داخل حديقة الفيلا حلبة للمصارعة ويستعد لجولة مع ابنيه يصيب عضو احدهما وليس وجهه فقط وفي الدرس الأخير يجبرهم علي حمل حقيبة مليئة بالكوكايين والعودة بها من بيروت الي القاهرة في مشهد يذكر بفيلم العار.. وذلك حتي يجربا مذلة السجون وقسوة الزنازين ومعاشرة ارباب السوابق. وبعد هذا الدرس الأخير يتضح أن الكوكايين ليس سوي اكياس دقيق وأن الأب قام بسداد ديون ابنائه وترك لهما مبلغا من المال يبدآن به من جديد. ولكن بشرف وجدية واشترط أن ينزع الحفيدة من ابويها ويقوم هو بتربيتها. من الواضح أن صناع الفيلم يسعون الي قول شيء جاد حول موضوعات مؤرقة وملحة مثل جحود الأبناء وتآمرهم علي الآباء وعن تآمر الفقراء ضد الأغنياء مقابل المال. أو أنهم مجبورون علي التزييف والكذب بسبب الفقر ويمكن شراؤهم لحساب من يدفع فهم مرة يؤجرون لحساب الابناء ومرة لحساب الأب. كذلك يندد بخيانة الاصدقاء. والطبيب وانحراف الجميع الفقراء والأغنياء والجهلة والمتعلمين أمام شهوة المال ولكن عاب المعالجة أن الحبكة مصطنعة ودرس الأبناء واعادة تأهيلهم لايتم عبر الافيهات والتهريج والدروس التي لايحتمل حدوثها. وعلي ذلك غابت الجدية وبهتت الرسالة وضحك الناس دون أن يتفكروا. النصف المليان في النصف الأول يضعنا السيناريو في قلب الخطة الخبيثة التي اعدها الابنان : يستيقظ الأب محمود بك الذي يسكن فيلا أنيقة تكشف عن حجم الثراء. وقد ثقلت دماغه وشعر بالصداع يستيقظ علي صوت الممرضة مني "نيللي كريم" تحاول ايقاظه.. الممرضة شخصية مجهولة بالنسبة له لكنها تصر علي أنها الممرضة الخاصة به. وأنها موجودة منذ فترة وعليه أن يتناول الدواء منها حتي لاتسوء حالته.. وحين يسألها. تجيبه بأنه مريض "بالزهايمر" وأنه مصاب بالنسيان. والرجل بفعل الأدوية المنومة يضيع في نوم طويل فلا يعي مرور الأيام. يفاجأ محمود بك أيضا بوجود خادمة.. وبستاني "محمد الصاوي" يأتي اليه بالزهور. ثم ماسح أحذية يساهم في تضليله أيضا وحين يلجأ الي الغفير "ضياء الميرغني" يؤكد له أنه فعلا مريض وأن كل هؤلاء الذين يراهم موظفون داخل الفيلا.. وحين يسأل ابنه "سامح" عن هذا الجمع الذي يقيم حفله في بهو الفيللا يؤكد الأبن انهم اقرباؤه وشلته التي اعتادت أن تتردد عليه!! فقط حين يصل "السباك" "يوسف عيد" الذي اعتاد التردد علي الفيللا من فترة لأخري. يكتشف محمود بك أنه ضحية لمؤامرة من صنع ابنائه وحين يمسك بخناق الممرضة تعترف له بأن كل هؤلاء الذين يراهم ليسوا سوي أعضاء في المؤامرة التي دبرها كل من سامح بك وكريم بك وزوجة الأخير نجلاء "رانيا يوسف" والمؤامرة يشارك فيها الطبيب شاكر "هناء عبدالفتاح" وصديق العمر شافعي "احمد راتب" والمحامي الضلالي "لطفي لبيب". وفي هذا الجزء يؤدي عادل إمام باخلاص فني دور الضحية العجوز الذي تنقلب أحواله بسبب جحود الأبناء وفسادهم وطمع الفقراء الذين اغراهم المال فوافقوا علي الاشتراك في حصار الأب وايهامه بأنه مريض. كما يواجه بعدم وفاء الاصدقاء بل وخيانة أحدهم. كما يفاجأ بعدم أمانة الطبيب الذي أغرقه واضاع ذاكرته بالعقاقير حتي تظهر عليه أعراض المرض ومن ثم يقف أمام المحكمة كرجل فاقد الأهلية ويتم الحجر عليه كما يريد الأبناء الي هنا عادل إمام الممثل وليس النجم الزعيم هو الذي يلعب الدور. يستطيع محمود بك أن يشق الحصار المضروب حوله وأن يضلل المحاصرين له داخل مسكنه ويخرج الي الشارع ويذهب الي المصحة النفسية يسأل عن صديقه القديم "سعيد صالح" فيفاجأ به شخصية مريضة "بزهايمر" يتبول لا إراديا علي نفسه ويضعون له "البامبرز" مثل الاطفال. فيصاب بصدمة تبكيه وتشعره بألم حقيقي انها لحظة تنوير متعددة الأبعاد.. فالصديق بدوره ضحية لجحود الأبناء.. وهو بالفعل مريض بهذا الداء الذي إدعي ابناؤه وحاولوا إيهامه وايهام الجميع بأنه مريض بهذا المرض نفسه. ومن ناحية أخري يعتبر هذا المشهد لحظة تنوير لنا نحن الذين عوَّدنا عادل إمام منذ فترة علي التهريج واللعب مع الصغار في صغائر الأمور وفي تصغير الأمور الكبيرة أنه في هذا المشهد ممثل كبير يعاني ويتألم ويشعر بالرهبة من المريض ومن تقدم العمر وربما من نفس المصير الذي يلاقيه صديقه. وحتي صديقه الحقيقي سعيد صالح استطاع بدوره أن يقدم لحظة مضيئة في آخر مشواره تتضمن قدرا من الصدق ومن اليقظة الفنية لمتطلبات الدور وهو ليس سهلا علي صغر حجمه. وجانباً آخر سريعا يحققه هذا المشهد لانه جعلنا نتذكر أن المنتجة الكبيرة اسعاد يونس خرجت من رحم ممثلة بالفطرة عشقت التمثيل. ظهرت في دور صغير كمشرفة علي المصحة النفسية وقد لعبته ربما من قبيل اشباع الموهبة. في نصف الفيلم الأول يظهر بطل الفيلم داخل إطار المرحلة النفسية التي يقتضيها الدور من حيث المظهر والاداء والسلوك من دون جنوح كبير نحو الخفة والاستظراف ومن دون حرمان كبير ايضا من جنس الحريم اللاتي يطاردونه. فقد حرص المؤلف أن يشبع هذا الجانب من ميراث "الزعيم" ولو من خلال التليفون المحمول أو في حفلة عابرة ولكنه عاد ووازن هذا الغرام باحترام وحب أبوي عندما جعل الممرضة التي تابت واستغفرت وانحازت إلي جانبه تقول: "محمود بك أنا لو كان ممكن اختار لنفسي أب مش هختار أحسن منك أب". الممثل والمهرج عادل إمام يلعب دور الأب الكريم المحترم بأسلوب الممثل القدير مرة والمهرج الهزلي مرات. ودور الجد الرقيق المسئول في كل مشهد يظهر فيه مع "ملك". وفي المشهد الأخير يحرص المخرج عمرو عرفة أن يشيع إحساسا بالتفاؤل بعد السواد البشري الذي غطي معظم الشخصيات.. أشاع هذا الاحساس باللون "السُندسي". واللقطة الطويلة المفتوحة علي مساحة خضراء رحبة. وباللحن الناعم. واللقاء البناء بين العجوز صاحب الثروة الكبيرة والقلب الرحيم وبين الطفلة البريئة. يضاعف هذا التفاؤل المريح وراعي بأن يكون اللقاء فوق الأرض الخصبة بعيداً عن المدينة وعن الفيلا المفروشة بالأثاث الفاخر والمليئة رغم الفخامة بأشكال النفاق والكذب والتآمر. ولعب عنصر التمثيل دوراً محايداً. أعني أنه لم يكن بارداً ولا ساخناً وإنما علي مقاس الشخصية دون تقصير أو زيادة وبلا إبداع لأن الإبداع لا يستحدث بلا سيناريو جيد. فالشخصيات عموما ذات بعد واحد وبعضها يتقمص الصور النمطية المألوفة مثل شخصية "الخادمة". شخصيات إيمان السيد مثل كريم "أحمد رزق" وسامح "فتحي عبدالوهاب" ومني "نيللي كريم".. و.. جميعها شخصيات منسية لا نتذكرها لأنها لم تترك بصمة.. وحتي دور عادل إمام لا تلمح أثناء أدائه سوي لحظات وحتي سيل الضحكات المعتاد من قبل جمهور منحاز وجاهز للاستجابة ليس متدفقاً في هذا الفيلم رغم اعتماده علي مهاراته التقليدية واختياراته العجيبة.. والغريبة للملابس وتسريحة الشعر ولست أدري ان كان الطبيب النفسي الذي شارك بارشاداته في رسم شخصية مريض الزهايمر راض عن تطبيق هذه الارشادات عند مشاهدته للفيلم.؟؟ لقد غازل عادل امام شعب المغرب أو ربما شعوب شمال افريقيا "تونس والجزائر أيضا" عندما ظهر في أكثر من مشهد بالعباءة المغربية التي أهدوها إياه. فهذه التفصيلة في عنصر الملابس بدت خارج السياق. وربما كانت تحية من الزعيم إلي مريديه في هذه المنطقة العربية.