لم يرض بالجنيهات القليلة لتي يكتسبها من عمله رغم التعب الذي يعانيه والجهد المضني الذي يبذله.. بالإضافة إلي الاهانات التي يتعرض لها من زملاء العمل وسوء معاملة صاحب الورشة.. عاش يحلم بعمل أسهل ومكاسب أكثر. كانت مهنة إصلاح السيارات تأخذ كل وقته.. لم يعش طفولته ولم يستمتع باللهو والمرح مثل أقرانه.. فقد دفعه والده للعمل في الورشة فور إنهاء دراسته في المرحلة الاعدادية رغم نجاحه ورغبته في أن يحقق حلمه باستكمال دراسته والحصول علي مؤهل عال يضعه بين الكبار وأهل الصفوة.. لكن أحلامه ضاعت وسط السيارات المتهالكة.. وفقد مستقبله بين الشحوم والزيوت.. وتحول القلم في يده إلي مفك والكتاب أصبح مفتاح انجليزي.. وتحولت الحقيبة المدرسية إلي شنطة العدة التي يحملها فوق كتفه ويسير خلف الاسطي لمساعدته في عمله. مصاريف كلما نظر حوله رأي زملاء الأمس يتقدمون في دراستهم يرتدون الثياب النظيفة ويقضون وقتهم في الدراسة أحيانا.. وفي اللهو والمرح أحياناً أخري بينما هو يقضي كل وقته في العمل الشاق مرتديا ملابس تغطيها الزيوت والشحوم بأوساخها ورائحتها الكريهة.. حتي الجنيهات القليلة التي يكتسبها من عمله يحصل عليها والده لمساعدته في مصاريف البيت.. ويعطيه بعض القروش كمصروف يومي لا تكفي احتياجاته ونفقاته اليومية. ضاق "الميكانيكي الصغير" بحياته وعمله.. وقرر أن يبحث لنفسه طريق أخر وعمل أسهل يوفر له الوقت ليعيش حياته وأرباحاً أكثرتوفر له احتياجاته.. هجر الورشة وترك زملاء العمل وهرب من قسوة عمله وسوء معاملة الأسطي.. وراح يبحث عن وسيلة أسهل وطريق أسرع لجمع المال وتحقيق الثراءالذي عاش يحلم به ليلحق بقطار الحياة الذي يمر من أمامه سريعاً وهو نائم أسفل السيارة يبحث عن أعطالها بينما سنوات العمر تتسرب من بين أصابعه. ليالي الأنس وخلال جولاته المتكررة بين الأصدقاء بحثاً عن أفكار جديدة لمستقبل أفضل ووسيلة سهلة لكسب أكبر.. تعرف علي بعض الأصدقاء وراح يقضي معهم معظم وقته علي المقاهي أحياناً والمرح والسهر في ليالي الأنس والفرفشة أحياناً أخري. كانوا ينفقون الأموال بدون حساب ويرتدون أفخر الثياب.. ظهر أن الأموال التي تجري بين أيديهم من حصاد عملهم في تجارة السيارات واكسسوارتها.. لكنه اكتشف أنها من مكاسب نشاطهم في سرقة السيارات وبيعها بأوراق مزورة أو تقطيعها وبيع أجزائها لتجار قطع الغيار. وعندما روي لأصدقائه معاناته في عمله السابق وتعطله عن العمل في الفترة الحالية عرض عليه أحدهم العمل معه في تصريف المسروقات من خلال الورش التي كان يعمل بها ومحلات قطع الغيار التي كان يتعامل معها.. وأغراه بنسبة من أرباح كل قطعة يقوم ببيعها..حصل "الميكانيكي" علي بعض قطع الغيار.. ونجح في بيعها لصاحب الورشة وحصل علي نسبة من الأرباح مما شجعه علي التوسع في نشاطه والتنقل بين الورش المختلفة لتوزيع المسروقات..وجدها لعبة سهلة تدر عليه أموالاً تكفي احتياجاته ومصاريفه اليومية. تعددت جولاته بين الورش وتجار قطع الغيار لترويج المسروقات.. وانتشرت شهرته بينهم حتي أنهم كانوا يتصلون به لتوفير قطع الغيار التي لا يجدونها في الاسواق خاصة السيارات الفارهة.. لكن مكاسبه منها لم ترضيه.. وكان ينظر إلي مكاسب أصدقائه يقومون بسرقة السيارات والأموال التي تتدفق بين أيديهم.. وقرر أن يترك عمله في ترويج المسروقات ويعمل معهم في سرقة السيارات نفسها أو السرقة من الداخل بالاستيلاء علي محتوياتها أو متعلقات أصحابها التي يتركونها في السيارة عند ركنها في الأحياء الهادئة.. أو تركها بالشارع لشراء بعض طلباتهم.عرض الفكرة علي أصدقاء طريق الشر.. وافقوا عليها واصطحبوه معهم إلي عالم الاجرام فاحترف سرقة السيارات حيث كانوا يقفون لمراقبة الطريق بينما يقوم هو بفتح السيارة وتشغيلها والهروب بها مستغلاً خبرته السابقة في عمله "ميكانيكي" لإصلاح السيارات. نجح في ارتكاب العديد من السرقات بالاشتراك مع زملاء المهنة.. وتبدلت أحواله حيث تولي هو سرقة السيارات.. وكان أصدقاؤه عليهم تزوير أوراقها لبيعها أو تفكيك اجزائها وبيعها قطعة وراء أخري لتجار الاكسسوارات وقطع غيار السيارات خاصة في منطقة الحرفيين بمدينة السلام أو لدي تجار قطع الغيار في بولاق ابوالعلا. مرت الأيام وتزعم "الميكانيكي" عصابة الاسفلت التي تخصصت في سرقة السيارات من الأحياء الراقية والتي تتميز بهدوء شوارعها ليلاً خاصة في أحياء مصر الجديدة والنزهة ومدينة نصر.. مستخدمين أسلوب المفتاح المصطنع أو كسر الهواية لتشغيل السيارة بواسطة اسلاك البطارية. أصبحت له شهرة واسعة في عالم الاجرام.. وحاز علي ثقة أفراد العصابة التي تولي قيادتها وأصبح العقل المدبر لها وزعيمها.. بل تولي توزيع أدوار أفرادها وتقسيم الغنائم بينهم.. ونجحوا معاً في تنفيذ العديد من السرقات وتدفقت الأموال بين يديه.. وظن أنه اقترب من تحقيق أحلام الثراء الذي عاش يحلم به.. وعجز عن الوصول إليه خلال عمله.. لكنه سقط في قبضة رجال مباحث سرقة السيارات أثناء محاولته الاستيلاء علي سيارة بمدينة نصر.. بينما هرب أصدقاؤه عند القبض عليه..كان العميد عصام سعد مدير مباحث العاصمة قد تلقي اخطاراً بضبط "الميكانيكي" متلبساً بالشروع في سرقة سيارة بأحد الشوارع الهادئة ليلاً.. وتم ضبطه. اعتراف وبالعرض علي اللواء أسامة الصغير مدير الإدارة العامة للبحث الجنائي بالقاهرة.. اعترف المتهم أنه ترك عملله في ورش اصلاح السيارات واتجه للسرقة مستغلاً خبرته في تشغيل واصلاح السيارات.. وارشد عن العديد من السرقات التي ارتكبها بالاشتراك مع بعض الاصدقاء. تحرر محضر باعترافاته وبعرضها علي اللواء محسن مراد مساعد وزير الداخلية لأمن القاهرة أمر باحالته للنيابة التي زجت به خلف القضبان.. ليجد "الميكانيكي" نفسه داخل زنزانة مظلمة وقد انهار مستقبله بين جدرانها الباردة.. وحياته تضيع بين ظلماتها.. ويكتشف أن أحلام الثراء التي عاش يسعي لتحقيقها ما هي الا سراب قاده إلي نهايته البائسة.. وأن أصدقاء السوء الذين تعرف عليهم اصطحبوه إلي عالم الاجرام ليتوه بين ظلماته.