معروف ان التاريخ يبدأ بلوح الملك مينا أو "نارمر" أو "نعارمر" "طبقاً لاختلاف نطق علماء الآثار" كل ما حدث قبله هو قبل التاريخ وما بعده يحسب من التاريخ والسبب هو انه أول وثيقة مكتوبة بالصور في تاريخ البشرية. وبتعبير آخر هو أول عمل أدبي مرسوم. والقصة المسجلة علي سطحي اللوح هي أهم أعمال الملك مينا أي توحيد الوجهين أو القطرين القبلي والبحري بعد انتصاره علي الساحر الذي كان يقضي علي الملك بعد 33 عاماً من اعتلائه السلطة ويوزع جسده علي الأقاليم كما فعل رمز الشر "ست" بأخيه رمز الخير "أوزوريس". والحقيقة ان الانتصار علي السحر هو ثورة ثقافية حققت ثورة اجتماعية. بعدها دخلت البشرية عصر العبادات وودعت عصر السحر دون تأثير خارجي علي المصريين. الأدب المصري القديم ينتصر للأرض الزراعية السوداء ويلعن الأرض الصحراوية الصفراء. وعندما يغضب الإله علي المصريين يرسل إليهم من الصحراء الوحوش لتقضي عليهم بينما الفيضان أو الطوفان هو خير للبشر والزرع وحيوانات الحقل. وفي أبحاث "جيمس فريزر" التي اطلق عليها اسم "الغصن الذهبي" أعلن أنه لم يعثر في معتقدات جميع سكان افريقيا قديماً ما يشير إلي ان الطوفان القديم قد طالهم أو كان عقاباً لهم. بينما ظهر في معتقدات جميع سكان آسيا وأوروبا والأمريكتين. إلي هذا الحد نجد الاختلاف الشديد بين جذور المعتقدات الصحراوية والمعتقدات عند سكان وديان الأنهار. وهكذا إذا قارنا بين سكان الأرض الزراعية السوداء وسكان الأرض الصحراوية الصفراء نجد ان الملك مينا بعد توحيد القطرين تزوج من ابنة ملك الوجه البحري ليقضي علي العنصرية من البداية عندما يكون وريث العرش من نسل ملك الوجه القبلي والوجه البحري.. وطوال العصور المصرية القديمة كان شعار وحدة الوجهين من ثوابت الشعارات المسجلة علي جدران المقابر وأدوات الملوك كالعربات والكراسي والتيجان وغيرها. لقد اتخذت الكتابة شكلاً مرسوماً يلبي حاجة المصريين القدماء إلي تدوين انجازات ملوكهم من خلال صور مبسطة ترمز إلي العناصر والأفعال.. ومع مر العصور اتخذت هذه الصور الرمزية اشكالاً ثابتة ابتعدت عن الواقعية وأصبحت اصطلاحية هي الكتابة الهيروغليفية. في الحضارات القديمة لم يكن الانسان يدرك الفرق بين الكتابة والتشكيل واستمر هذا التداخل عصوراً طويلة.. فعلي جدران معبد الدير البحري الذي شيدته الملكة حتشبسوت منذ 3580 سنة. والذي أقيم في حضن الجبل الغربي أمام مدينة طيبة. والمعبد قد نحت في الصخر علي طريقة الإنسان الأول في تهذيب كهفه. نجد علي جدران هذا المعبد رسوماً تسجل الأسطورة التي اختلقها الكهنة لتبرير تولي حتشبسوت وهي امرأة مقاليد الحكم كملكة علي الوجهين القبلي والبحري. هذه القصة المسجلة علي جدران هذا المعبد بالنحت البارز الملون هي تأكيد للارتباط بين العمل الأدبي والعمل الفني حتي ذلك الحين فالكتابة الهيروغليفية التي تحكي هذه القصة لم تقنع بناة المعبد فرسموها في لوحات متتابعة تصور كل منها حدثاً من أحداث الأسطورة. لكن الكتابة واصلت تحررها من الشكل المرسوم لترتبط بأصوات النطق وتنتهي إلي حروف وكلمات لها شكل اصطلاحي فقد صلته القديمة بالصور المرئية. وفي العصور الحديثة أعاد الفن الإسلامي القيمة الشكلية للكتابة علي مستوي زخرفي وتجديدي حتي ان بعض الكتابات العربية وصلت في تحويرها إلي شكل تجريدي جعلها تخرج من دلالتها اللغوية إلي مظهر تجريدي شكلي باضافة قيمة زخرفية عند ستخدام الكتابة لتقوم بدور جمالي في زخرفة المباني وحواشي الكتب والادوات المستخدمة في الحياة اليومية. مثل هذا الاستخدام الجمالي للحروف عرف أيضاً في اللغات اللاتينية والرومانية. كما ان الفن الصيني التقليدي يستخدم الجمل والكلمات كجزء من التكوين المتداخل والمكمل للوحات الرسم.