في مثل هذا الشهر منذ 90 عاماً. تحديدا في 6 أغسطس 1928. جاء إلي الدنيا طفل لأبوين من التشيك إلي الولاياتالمتحدة من.. إنه آندي وارهول أحد أهم علامات فن البوب في أمريكا في النصف الثاني من القرن العشرين. كان شاهداً علي تحولات المعرفة والثقافة ونمط الحياة أكثر من غيره. ذلك الفتي الذي عمد إلي إزالة الفوارق بين الفن الرفيع الرصين والفن التجاري الاستهلاكي. ربما أهم ما يميز فن آندي وارهول هو أنك لا تري بصمة يد الفنان في العمل. فن يبدو أنه ناتج من آلة. ربما آلة طباعة أو آلة تصوير. يبدو كأنه نوع من التصميمات أكثر من أنها لمسات تعبيرية أو بصمات تأثيرية. الحقيقة هي أننا ربما لا نعرف بالضبط هل فن وارهول هو احتجاج علي "الاستهلاكية" أم احتفال بها؟ إنه ذلك الشخص الذي يقول إن "التجارة الجيدة هي الفن الأفضل". منذ مرحلة مبكرة جداً. عندما ذهب إلي نيويورك ليعمل رساما للمجلات. ظهر للجميع أن وارهول مختلف جداً وكان في منتصف العشرينيات من عمره. وقد أصبح بالفعل من أنجح التشكيليين في الولاياتالمتحدة وحصل علي العديد من الجوائز عن أعماله. كانت بوصلته تتجه بقوة إلي مفهوم الاستهلاك وحياة السوق و"المول" التي صارت النمط السائد في أمريكا بعد الحرب العالمية الثانية. لذلك جاءت شهرته من استخدام الأعمال التجارية القائمة علي التصوير الفوتوغرافي في تكوين إبداعاته الفنية. كان أستوديوپآندي وارهول في الستينيات حالة غير عادية وسط كل التحولات والتقلبات التي تشهدها مدينة نيويورك. في هذا المكان "المصنع - ذا فاكتوري" تم إنتاج عشرات من نسخ صور علب شوربة "كامبل". رمز الاستهلاكية وحضارة "الفاست فوود" والتنوع اللانهائي لنفس المنتج. كما تم إنتاج مجموعة من اللوحات عن مارلين مونرو. تكررت صورة الممثلة فيها عِدة مرات. مع اختلاف ألوان كل صورة» وكأن الفكرة هي "مارلين علي كل لون". القصة لا تنتهي مع آندي وارهول بمجرد استحثاث الدهشة والغرابة. وربما الصدمة أو الامتعاض. وأحيانا التسلية والابتسام في ذهن المتلقي والمشاهد. بل تمتد قصة حياته لتشهد محاولة لاغتياله في 1964. عندما دخلت امرأة إلي استوديو آندي في مانهاتن "كان يسميه المصنع" وصوبت المسدس نحو رأسه. ولكن من حظه أن الرصاصة أخطأته وأصابت أربع لوحات من مجموعته عن مارلين مونرو. وتمتد الدراما لتشمل محاولة انتحار من جانبه لم تكلل بالنجاح. وبالطبع كانت حالة الإنتاج الوفير. بمعناها الصناعي والتجاري. المشابه لمنتجات المصانع. سبباً في غزارة إنتاج وارهول وتنوّعه. وبالتالي تحرك بين أنماط وأشكال فنية وإنتاجية وجماهيرية وتجارية عديدة شملت السينما والكتابة والموسيقي والتليفزيون. كان حاضراً بكثافة بكل معني الحضور في أمريكا. في القاعات وعلي الشاشات وفي المحال التجارية وعلي رفوف البضائع وفي كل مكان. وبحسب الباحثين في حياته والمحللين لإنتاجه. فإنه كان شديد الولع بالوجوه الهوليودية طيلة حياته. ومتحمساً جداً لها بحيث رسم في عام 1962 سلسلة كبيرة من صور المشاهير. منهم الفاتنة مارلين مونرو والأسطورة الفيس بريسلي وقطة هوليود إليزابيث تايلور. كانت رؤيته للفن السينمائي الأمريكي احتفالية وانتقادية ورومانسية واحتجاجية. حميمة ولئيمة في الوقت نفسه. عندما دخل عالم السينما في 1963 قام بصناعة عدد من كلاسيكيات السينما الطليعية. ثم أدهش جمهوره في باريس في 1965 بقوله إنه سوف يعتزل الفن التشكيلي لمتابعة صناعة الأفلام السينمائية. ولكنه عاد الي الرسم بعد عام واحد. يمكننا أن نعتبر أن وارهول فنان معاد للفن. لأنه يجعل ثانوياً وتابعاً للتجارة والصناعة. وللدعاية والاستهلاك. يري أن الفن يجب أن يكون نتاجاً للاستهلاك المكثف. وفي متناول كل من يرغب في الحصول عليه بمعني آخر. يدافع عن النزعة الاستهلاكية في فنه التي تعادي الفن الجمالي وجمالية الفن. هو ليس داعيا للقبح لكنه يقف بكل قوة مع شعار"الاستهلاك للجميع". ولاتزال حياة وارهول مادة ثرية ومثيرة للتأويلات والتفسيرات. كما لا تزال أعماله المتمردة علي النمطي والسائد متواجدة وكأنها أيقونات لفن جديد وغير تقليدي واستثنائي. ومن جهة أخري لا نستطيع الفكاك من مقارنة وارهول في تمرده وعصيانه بالسيريالي الكبير سلفادور دالي والتكعيبي الشهير بابلو بيكاسو. ولكن حداثة دالي وبيكاسو في معرض هذه المقارنة لابد وأنها سوف تضعه تحت تصنيف "الحداثة الرثة" أو "الما بعد حداثة" و"ما بعد الفن". وانتهت القصة بوفاة وارهول في نيويورك في فبراير عام 1987 بعد مضاعفات عملية جراحية ليسدل الستار علي من أسهم في إثارة الجدل عن الحداثة في الفن وربما ما بعدها. لأنه من السهل استشراف الكثير من ملامح الفن الما بعد حداثي في أعماله.