دُعيت كضيفة بصالون الشاعرة اللبنانية تغريد فياض للحديث عن الفنون التشكيلية وتاريخها كمرآة للمستقبل. فوجدت نفسي في مواجهة حقيقية.. وهي أن دور الكتّاب والنقاد المهتمين بالفن التشكيلي قد اقتصرت مؤخرا إلي حدي كبير علي رصد وتحليل الأحداث المعاصرة للفنون البصرية وإغفال إشكالية التاريخ الفني للأساليب الفنية الحديثة.. والتحدث والشرح بلغة متخصصة ومن خلال برج عاجي- وكنت منهم- وذلك دون إلقاء الضوء علي مرجعية تلك المدارس والمذاهب الفنية التي نتحدث عنها بشكل تلقائي داخل دوائرنا. لكن هناك حكمة عميقة تقول "من ليس له ماض. ليس له حاضر ولا مستقبل" وهي لم تأتِ من فراغ. إنما استخلاص لفهم عميق لجذور الأحداث الفنية الآنية. التي ستكون فيما بعد تاريخ أيضا قد ينظر البعض إلي التاريخ علي أنه شكل آخر من أشكال الخيال. وهو تصور قديم قدم التاريخ نفسه بل ان هناك مجتمعات لا تفرق بين التاريخ والخيال ولا يخلو هذا التصور من منطق ومن ثم فهناك ارتباط كبير بين التاريخ والحاضر في شتي المجالات المعرفية خاصة الفن. يجب بداية توضيح معني تاريخ الفن وهو مجال أو تعبير يندرج ضمن العلوم الاجتماعية والإنسانية والفكرية والحسية والجمالية بل والخيالية ويختص بدراسة وتحليل تطور الفن عبر التاريخ القديم والحديث والاستفادة منه في جميع مجالات الحياة .لم يحدد للفن ذاته تعريف ثابت فهو كلمة فضفاضة والفن عند الكثير من العلماء جاء بانطباعات مختلفة فهو عند "بول فاليري" يبعث علي اليأس وعند "بيرنسون" أنه ما يسبب اللذة وتم تعريفه أيضًا علي أنه العلم الذي يهدف إلي تمرين الفكر علي فهم العالم. وإذا أردنا تتبع أول إنتاج فني قد وصل إلينا فنري أنه وصل من العصر الأوريناسي وهذا يعود إلي 40 ألف سنة قبل ميلاد السيد المسيح. تاريخ الفن ما وصل منه عبارة عن بعض الرسوم وبعض التماثيل التي وجدت في أرجاء آسيا الصغري. وربما يراود البعض فكرة زوال الفن مع حروب التاريخ إلا أن ذلك غير صحيح حيث إنّ الفن يعيد تجديد وجوده ويعكس جماليته مهما تعرضت آثاره للتدمير. فيبقي منها ما يدلنا علي مدي الرقي والجمال في ذاك الوقت وأنتج البشر خلال تاريخهم العديد من الأعمال الفنيّة المتنوعة والمختلفة عن بعضها البعض هذا ولا يمكننا حصر ما بقي من آثار فنية في مصر وفي اليونان وآثار الحضارة السومرية وغير ذلك إلا أنها جميعها تدور حول هدف واحد ألا وهو تجسيد الجمال من خلال الفن.