يستحق الأسبوع الأخير من شهر أكتوبر 2011 وقفة وتحية عظيمة من عشاق السينما وفنونها وثقافتها.. فقد تصادف بلوغ اثنان من الأسماء المضيئة. الكبيرة مقاماً وقامة سن الخامسة والثمانين -أمد الله في عمرهما- وهما: أحمد الحضري "26 أكتوبر 1926" والمخرج توفيق صالح "27 أكتوبر 1926". يوم الاثنين قامت جمعية نقاد السينما المصرية بتكريم الأول وأعدت لمناسبة عيد ميلاده احتفالية أشرفت علي إعدادها الصديقة الدكتورة عفاف طبالة وحضرها كثيرون من محبيه.. ويوم الجمعة الماضي احتفلت الصديقة الناقدة والباحثة السينمائية فريدة مرعي بميلاد الثاني ودعت للمشاركة في الاحتفال مجموعة منتقاة من أصدقاء وتلاميذ ومحبي هذا المخرج السينمائي الذي أسهم بمجموعة قليلة من الأفلام ولكنها علي قلتها عددياً فقد تم اختيارها ضمن أحسن مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية.. وفي السطور التالية التعريف بالحضري كما جاء في النشرة التي تم توزيعها في حفل التكريم الذي أقيم بمركز الثقافة السينمائية. أحمد الحضري من مواليد القاهرة. تخرّج في كلية الفنون الجميلة "قسم عمارة" عام .1948 وحصل علي شهادة في فن السينما من جامعة لندن 1954. كما حصل علي دبلوم دراسات عليا في الهندسة من جامعة لندن 1956 وألف أول كتاب في الثقافة السينمائية عام .1959 وقام بتأسيس جمعية الفيلم بالقاهرة وأصبح أول رئيس لها ..1960 ونال أول جائزة في النقد السينمائي عام ..1964 وتولي عمادة المعهد العالي للسينما عام .1967 أسس نادياً لسينما القاهرة عام 1968 وأصبح رئيسا لمجلس إدارته والنادي لمن لم يعاصر نشاطاته كان مركزا لتجمع المهتمين بالسينما والحريصين علي متابعة الأفلام العالمية التي لا تجد منفذا لعروضها في مصر. وقد لعب النادي دورا جوهريا في تعريف أعضائه الذين بلغ عددهم أكثر من ألفين بروائع السينما العالمية. وفي إثراء حاسة التذوق الجمالي والفني من خلال الندوات التي كانت تقام بعد العروض وكانت تضم أعمال المخرجين العالميين وإبداعات الفن السابع من دول العالم المختلفة الجديرة بالاهتمام. أسس الحضري أيضا المهرجان القومي للأفلام التسجيلية والقصيرة عام 1970 وعمل مديرا للمركز الفني للصور المرئية عام 1972. ومديرا لمركز الثقافة السينمائية عام 1975 ورئيس المركز القومي للسينما 1980. ورئيس صندوق دعم السينما 1984. ورئيس مهرجان الإسكندرية السينمائي 1988. وقد تم تكريمه في المهرجان القومي للسيما باعتباره رائدا للثقافة السينمائية عام .2000 وتولي رئاسة تحرير سلسلة آفاق السينما بدءًا من عام 2001 وكان ضمن لجنة السينما في المجلس الأعلي للثقافة. وقد صدر له 21 كتابا في السينما حتي الآن بين التأليف والترجمة.. ولعل من أهمها كتاب "تاريخ السينما المصرية" الذي أوشك علي الانتهاء من الجزء الثاني. ورغم الدور البارز الذي لعبه الحضري في حياة كل من اشتغل بالثقافة السينمائية وبالنقد السينمائي. إلا أن الحضري -في تقديري الشخصي- يعتبر إلي جانب كل انجازاته شخصية مبهرة ومؤثرة وفريدة في انضباطه الأخلاقي وسلوكه الإنساني الحضاري الرائع والتزامه الفريد بما يراه واجباً مهنياً ووطنياً. أمد الله في عمره. القليل الجميل الأفلام التي قام بإخراجها توفيق صالح قليلة. ولكنها تعتبر ضمن كلاسيكيات السينما العربية. وهي تحديدا "درب المهابيل" 1955 و"صراع الأبطال" 1962. و"يوميات نائب في الأرياف" 1969. و"المتمردون" 1968. وفيلمه "المخدوعون" الذي أنتجه في سوريا. وقبله "الأيام الطويلة" من إنتاج العراق. احتفي النقاد بمعظم هذه الأفلام. كما احتفي بها أنصار السينما الجادة التي تتجه إلي تحريك الذهن وتبتعد -ما أمكن- عن الإثارة الحسية. وتكتفي بإثارة الأفكار حول سلبيات الواقع وأمراضه الاجتماعية الخطيرة. فقد كان توفيق صالح كصانع فيلم يقف ضد التيار التجاري الرئيسي وضد الترفيه الذي اعتاد عليه الجمهور المستهلك للسينما. ولذا لم يكن من المخرجين الذين يتهافت عليهم المنتجون. ولكن مهرجانات السينما تجد في أعماله قيمة تستحق العرض. ولذا فقد نال من التكريم الكثير في هذه المهرجانات.. وأيضا في المحافل السينمائية العربية. وقد رأي بعض النقاد أن أفلام توفيق صالح تجمع بين ثورية الشكل والمضمون. وقد ألف الزميل الناقد أحمد يوسف كتابا عن أعماله وضمنه تحليلاً نقدياً مهماً. واعتبرها نوعية استطاعت أن تخلق تفاعلا جدليا بين ثورية الشكل والمضمون. وذلك لأنها تغامر مغامرة حقيقية ضد النزعة التجارية في السينما التي تعتمد في الأغلب علي عناصر التسلية وبيع النجوم للمتفرجين. ولم يقتصر توفيق صالح علي صناعة الفيلم المصري. وإنما امتد تأثيره الأكاديمي إلي السينما العراقية حيث انتقل للعمل هناك لعدة سنوات وأخرج فيلمه "الأيام الطويلة" وأيضا إلي السينما السورية وإلي أجيال من صناع السينما في مصر الذين وجدوا في نوعية الأفلام التي يقدمها. ومفهومه عن دور الفيلم ووظيفته مادة ثقافية وفنية جديرة بالاهتمام. .. وعيد ميلاد فان دام!! ومن المفارقات الغريبة في هذا الشهر "أكتوبر". احتفال احدي القنوات المصرية الفضائية بعيد ميلاد جان كلود فان دام. نجم أفلام الأكشن المسلية. قليلة القيمة. البعيدة كل البعد عن روح وسياسة السينما التي نتطلع إليها. اللافت جداً هو الحماس منقطع النظير الذي أحيط بهذا الاحتفال علي الهواء. وكأننا أمام نجم النجوم وليس نجماً دخل السينما عبر العضلات والعنف الممنهج. وجان كلود فان. ولد في بروكسل 18 أكتوبر عام 1960. وفي لحظة وصوله إلي مقر القناة قُطع البرنامج الذي كان يبث.. وكان يناقش مع مسئول سرقة مجموعة من الآثار الثمينة. تم احباطها واعادتها. وفجأة وجدنا المذيعة الشقراء تصف بحماس غريب حجم الحفاوة التي قوبل بها فان دام من قبل العاملين. وكانت القناة قد نوّهت عن هذا الحضور العظيم للنجم الأمريكي- البلجيكي أيام قبل موعد الاحتفال. وفان دام كممثل قليل القيمة جداً ولا يستحق هذه الحفاوة المبالغ فيها. خاصة انه جاء بعد الثورة والأسئلة التي أعدت له لم تراع انه رجل يفكر بعضلاته. وليست له علاقة من قريب أو بعيد بأحداث العالم. وقد ظهر هذا واضحاً في إجاباته. لقد دخل فان دام هوليوود من خلال نوعية أفلام الأكشن وباعتباره بطل كاراتيه فاز في بطولات عديدة. وبسبب هذا التفوق الرياضي تعاقدت معه شركة "كانون" التي أسسها وأدارها المخرج والمنتج الإسرائيلي الصهيوني مناحم جولان "مولود في فلسطينالمحتلة 31 مايو 1929" وأحد أقطاب صناعة السينما الإسرائيلية. وقد جعل منه نجما بعد سلسلة من أفلام الأكشن قليلة التكلفة. مهدت له الطريق لأفلام سينمائية شهيرة منها "مفقود في العمليات". "لا تراجع ولا استسلام". "صحوة الموت".. إلخ.. إلخ. لا أعتقد أن الشهرة المرجوة والفرقعة الكبيرة التي حققتها القناة الفضائية تعادل تكلفة استضافة هذا النجم قوي البنيان. قليل الثقافة والمعرفة. لقد وجهت إليه أسئلة "كبيرة" عن ثورة 25 يناير. وعن رأيه في "الشباب" الذين قادوها. وكان النجم أميناً جداً في إجابات بدرجة أقنعتنا نحن المشاهدين بأنه لا شأن له بالسياسة وانشغالاته الذاتية تجعله لا يهتم بها. فهو قد بدأ حياته سائق ليموزين وكرّس جهده بعد ذلك في التفوق جسمانياً لأنه كان "ضئيل الحجم ضعيف" ورحلته إلي القاهرة تعني له الكثير الذي لا يتجاوز الفرجة السياحية. هذه الحفاوة الكبيرة في الإعداد لعيد ميلاد فان دام من قبل قناة فضائية محترمة. تذكرنا بالمثل الشعبي السخيف "فرحة العبيط ب.........." هذه "العضلات القادمة من بروكسل" جديرة بالفرجة عليها في دور العرض التجارية لقضاء وقت ظريف. ولكن بدون هذا الحماس والاستعداد. وكأننا أمام غزو فني كبير!!