في زمن آخر كان حصول الأديب علي جائزة الدولة حدثا تاريخيا يحتفي به الإعلام ويتحدث به الركبان.. ويصير صاحبه نجما ساطعا في سماء الوطن.. لكن أديب اليوم لم يعد لديه هذا الطموح.. يكفيه فقط أنه توج مسيرته باعتراف كبير من الدولة.. ونال بعضا من التقدير الذي يستحقه في صورة الجائزة. وقد كان لحصول الكاتب والروائي الكبير محمد قطب علي جائزة الدولة التقديرية فرحة عظيمة عندي لما يمثله هذا الصديق من قيمة أدبية عالية.. ولما تمثله المدرسة التي ينتمي إليها من مكانة في نفسي.. فهي تجمع بين الأصالة والمعاصرة.. تحافظ علي سلامة البناء اللغوي العربي. الأسلوبي والدلالي. وتحافظ أيضا علي حداثتها وطزاجتها.. وتعمل علي إثراء المخيلة العربية.. وتقدم إبداعا جديدا ينتمي لزمنه وبيئته ويعالج قضاياه.. ولا يعيش في الماضي إلا بقدر ما يأخذ منه لإضاءة الحاضر والمستقبل. لم يساير محمد قطب موجة الحداثة المفتعلة التي دمرت اللغة والإبداع معا وغرقت في الغموض والتشظي.. فأتلفت الأدب وعزلته عن الجمهور.. وجعلته مجرد تهويمات بلا هدف ولا مضمون.. وإنما حافظ علي جذوره ولم ينقلب علي التراث.. بالعكس أفاد منه أيما إفادة.. وساعدته في ذلك ينابيع دار العلوم التي تخرج فيها ولم يقطع صلته بها..ولم يكن ذلك بالأمر الهين في وسط مسكون بالشللية.. ولا يعترف إلا بمن معه في الحظيرة "من ليس معنا فهو ضدنا". عرفته والصديقين الروائيين نبيل عبدالحميد والمرحوم عبدالمنعم شلبي منذ أكثر من ثلاثين عاما.. وأسسنا معا الصالون الثقافي بنادي الزمالك.. وتشاركنا في كثير من المؤتمرات والندوات والسفريات الأدبية والثقافية.. واستضافته "المساء" كاتبا لعمود أسبوعي بعنوان "نغمة للريح" من 1999 حتي 2007.. ومن هذه الصحبة أدركت أن أدبه يعكس شخصيته الهادئة الرزينة.. وكنت- وما زلت- وثيق الصلة بتجربته الإبداعية التي تنطلق من مفردات الواقع.. وتدور حول شوق الإنسان إلي العدل والخير والجمال.. وهي رؤية ممتدة وظاهرة في كل أعماله.. وقد برع في استخدام الرمز ومزجه بالواقع مما أتاح له الولوج إلي قضايا حساسة بلغة شاعرية شفافة. وخاض قطب غمار الكتابة النقدية.. وقدم فيها دراسات وأبحاثاً ومقالات أكدت امتلاكه "سر الصنعة" وطرائق السرد وأدوات الحكم عليه والقدرة علي الوعي بالنص وقيم الجمال والصدق الفني.. فقدم في الدراسات الأدبية ثلاثة أجزاء من "نظرات في قصص القرآن" وجزأين من "جماليات التصوير في القرآن" و"القصة في القرآن" و"صورة المرأة في قصص القرآن" و"الذات والموضوع".. وفي الدراسات النقدية قدم "قراءة في القصة القصيرة" و"محمود البدوي عاشق القصة القصيرة" و"الفن والبساطة" و"الرؤي والأحلام". أما في مجال الإبداع فقدم روايات "الخروج إلي النبع" و"السيد الذي رحل" و"الضوء والظلال" و3 مجموعات قصصية بعنوان "من يقتل الحب" و"صدأ القلوب" و"البنات والقمر" إلي جانب مسرحية "المدار".. وقد صدرت أعماله الكاملة في أربعة أجزاء من خلال هيئة الكتاب..وما زال عطاؤه يتدفق.