تجليات "المدد" وروحانيات رمضان بقاعات الفن طلبنا التوسل به وإليه. فيقضي ويدفع.. يمنح ويمنع.. والاستمداد من مدده هو سره. مدد.. مدد أقيم بجاليري خان المغربي بالزمالك معرض جماعي بعنوان "مدد.. مدد" تعبيرا عن روحانيات شهر رمضان الكريم واحتفالا بأجوائه. فكانت اللوحات والمنحوتات تمثل تلك الأجواء الصوفية التي نعيشها في أيامه ومظاهر الاحتفال به.. يضم المعرض أكثر من 18 لوحة تصويرية من خامات متعددة "ألوان زيتية- أقلام فحم وكولاج" من أعمال الفنان سيد سعد الدين والفنانة إيفلين عشم الله ويكتمل المعرض - الذي يستمر حتي 13 يونيو - بالتماثيل البرونزية للفنان أحمد العسقلاني.. المدد.. للفنانة صفية القباني افتتحت الفنانة د. صفية القباني "العميد الأسبق لكلية الفنون الجميلة- جامعة حلوان" هذا الشهر معرضها الخاص بجاليري العاصمة بالزمالك بعنوان "المدد".. تحكي فيه من الناحية التقنية قصةَ فني من الفنون القديمة يمتد جذوره إلي تراثنا المصري القديم. وكذلك تأثرت في أعمالها بالفنون الإغريقية والرومانية التي تزخر بها متاحفنا. تمتزج فيه قصة التشكيل الجداري والتصميم باستخدام وسيط تعبيري صعب في التعامل معه ألا وهو خامات الموزاييك أو الفسيفساء أو الوحدات المنمنمة الزجاجية المعتمة الصغيرة. حيث تؤلف عالمها الجديد باستخدام آلاف القطع والوردات وأما عن تقنيتها الجديدة التي تُعرف باسم "الميلفيوري" فهي عجينة زجاجية تصنع كالقضبان ثم يتم تقطيعها واستخدامها في قالب واحد وصهرها فتعطي شكل الوردات الدقيقة الصغيرة علي خلفيات من الخشب أو من الشبك الممدد والخيش أو غيرها من الوسائط التي يتم تجهيزها ودمجها بحيث تؤدي وظيفةً تعبيريةً في أسلوبها التشكيلي. تبدو المنمنمات الصغيرة بتراكيبها الهندسية المموجة والحلزونية المتراصة في قنوات لونية مندمجة مع المساحيق والمعاجين التي تمزجها الفنانة لتثبيت البلاطات الصغيرة ولتتعايش مع أرضية العمل الفني والإطار الخارجي له حيث تجابه في هذا المعرض إشكالية استخدام تقنيات قديمة تحتاج إلي الصبر والدقة ومزجها بما هو متعارف عليه بصريا في قوالب وصياغات تشكيلية معاصرة وممتعة تتسم بالجدية والتفرد والمثابرة في أخذ أكبر طاقة إبداعية يمكن أن تهبها إياها تلك الخامات. تصنع د. القباني تلك المفارقة التشكيلية في التكوينات التي تتحرر فيها من أسر اللوحات ذات الإطار التقليدي وتكتسب طاقة حركة تطلقنا لفضاء قاعة العرض أو تنسكب بتكويناتها إلي الأرض وهي تفقدها قانون الجاذبية تارة أو تجبرها ثانية علي الانحناء. فتغدو الطبيعة أكثر جسارة مما يولدُ صراعا دراميا وحوارا لونيا وتأثيريا بين الوحدات المتراصة الدقيقة وبعضها البعض نتيجة الاتجاهات المكانية واللونية والثقل الذي تمنحه إياها الفنانة عن طريق التحكم في الفراغات ومناطق الصمت التشكيلي. فهي ترتكز أساساً علي تحقيق العلاقة الذهنية بين العناصر التي تستخدمها في العمل الفني الذي يشتمل علي ما يطلق عليه كسجادة الموزاييك المتماوجة واللوحة المواجهة لها. إن المفارقة اللونية التي تصنعها الفنانة القباني في اختياراتها لبالتة الألوان ترتبط بكثير من أشكال التعبير الفني. فهي من الناحية الشعورية تعد خليطاً من حالة شجن الفقد المتمثل في أماكن الفراغ المحسوب وتعمدها تلك المساحات من الإظلام اللوني باستخدام الأرضيات السوداء بل ومحاولاتها ايجاد مستويين للمعني التشكيلي.. الأول هو الانتماء لفكرة التجديد الفني والمحافظة علي قيمه التشكيلية وأما الثاني فهو التعبير بشكل معاصر عن الحالة المجردة للفكرة الصوفية التي استلهمت منها معرضها فكل منا يسعي إلي "المدد" ولكن من وجهة نظره فعبرت عنها من خلال طاقات متنوعة منحتها للعناصر التشكيلية. التي قد تعطي صورة بصرية وكأنها تنتمي لمصادر كونية أو طبيعية رأيناها من قبل لكنها متناثرة هنا و هناك بشكلي يتضمن الكثير من الشحنات الدلالية والتأويلية للعمل الفني. و حملت لنا دلالات جديدة بكثير من الجهد الصياغي الذي يعلو فيه صوت الذات المبدعة "للفنانة" حين تنفذ بفعلها الخلاّب منظومة جديدة من العلاقات بين هذه الكائنات الصغيرة التي تتراقص في فضاءات مظلمة كالسديم الكوني العتيق. إن تجربة ارتياد هذه الرحلة التشكيلية الممتعة من خلال عالم الفنانة القباني تجعل المتلقي قادراً علي تغيير وجهة نظره أكثر من مرة أثناء تفاعله مع أعمالها الفنية. بل وعلي التخلص من القصور الذهني والأفكار النمطية المعتادة. فالخيال الخصب هو الوسيلة الرئيسة في تحقيق مثل هذا التحرر لتستطيع تذوق هذا النوع من الانطلاق الإبداعي فتنتقل إلي المشاهد المرنة في التعامل مع الخامة لتصنع جسرا بينها وبين المتلقي. لأنها تتمتع بقدرة خاصة يحوزها المبدع وحده وهي الدفع للتغيير والتعديل والتنظيم للموقف الإدراكي لكل مشاهد لأعمالها عن طريق أشكال جديدة لا تنتمي لأحدي سواها.