في العين أحلام كانت تري النجوم وتركض خلف قوس قزح تصبغها الحياة بألوان أخري ليظل اللون الأبيض للروح هو كل الألوان * لن يرتبط "ألوان وتماثيل" هنا اليوم بعرض نبذة عن حياة وأعمال الفنان الذي ندور مع جماليات إبداعاته وخطابه الفني.. والسبب بسيط للغاية. ذلك أن عز الدين نجيب أوسع في تجربته وأعمق في خطابه من أن يتم اختزال مشواره ومساره الثري في عبارات وكلمات. عز الدين نجيب يتابع تقديم رؤية بصيرة ومستبصرة تعبق بمصريتها وتحتفي بريفيتها وتنتصر لإنسانها البسيط في مظهره والعميق جدا في جوهره. هذه المدرسة "العز نجيبية" هي مدرسة النظر إلي عناصر الجمال والدهشة في الحياة والوجود وحياة البشر وتسجيلها بجمالية ورهافة تامة. وعهد فيها علي الانتقال من الحلم الجمعي والذات الجماعية للمجتمع المصري والتعبير عن قضاياه في مراحله الفنية المبكرة والسابقة لكنه فاجأنا في هذا الموسم الفني بمعرضه "العيش والحلم" والذي أقيم بقاعة الباب بدار الأوبرا المصرية إلي انتقاله إلي الحلم الأكثر خصوصية والأكثر بساطة والأشد ارتباطا بالحياة البسيطة اليسيرة المليئة بالسكينة والدفء والتي عاد فيها يرسم الإنسان بملامحه ولكننا في السابق كنا نستشعر فقط حضوره وأنفاسه بين الصخور والجدران والتي توارت خلفه في هذه المرحلة وأخذت تغيب وتتلاشي عن عيوننا. حتي صار استلهامها واسترجاعها بمثابة حلم بحد ذاته. حلم أن نعيش العالم الذي عشناه وأن نكون الذوات التي كنّاها في لحظات بعيدة نحاول أن نتمثلها وأن نعيشها من جديد وسط حالة جمالية ورومانسية وإنسانية خاصة نتذوق فيها الحياة بذائقة عز الدين نجيب. في معرضه الأخير "العيش والحلم" استطاع عز الدين نجيب أن يدعو مشاهد أعماله ومتلقيه أن يحلق معه إلي تلك السماء البعيدة وأن يغوص معه في ذلك الحلم المتلبس بالواقعية والمجدول بخيوط الذاكرة والمغلف بورقة سولوفان تشي بتلك الرقة والعذوبة التي كان يخفيها في نضاله الثوري مع المسطح الأبيض في أعماله السابقة. بحيث يكون قد أكمل دورة جديدة من دورات انتقالاته وتحولاته في رؤية شفيفة وعميقة ومؤمنة تقول بعبارة واضحة أن تلك الثورة الجمالية لم تستطع التخفي كثيرا وراء إشكاليات وقضايا المجتمع فعبرت عن صوفية الرؤية والارتفاع عن كل القضايا لنجد أن العديد من أبطال وبطلات لوحاته نبتت لهم أجنحة ليطيروا بها عن كل صغائر هذا العالم. يتنوع منجز وإنتاج الفنان عز الدين نجيب. ولكنه يتجدد ولا يتكرر ويتطور ولا يعيد نفسه أبدا لا بين معرض ومعرض ولا حتي بين لوحة وأخري.. كل هذا التنوع والتجديد يأتي من الفنان الذي قدم 31 معرضا خاصا. كما شارك في عشرات المعارض الجماعية والمعارض الخارجية في مختلف دول العالم. مساهمات عز الدين الثقافية لم تكن باللوحات والتصوير فقط. ولكن أيضا أستاذ بالنقد والتثقيف والكتابة فهو صاحب كتاب "فجر التصوير المصري الحديث" عام 2000 وكتاب "أنشودة الحجر" من الهيئة العامة لقصور الثقافة 1999. كما سبق له أن أصدر موسوعة الفنون التشكيلية من ثلاثة أجزاء عام 2008 وهو الحاصل علي الجائزة الأولي في النقد الفني من المجلس الأعلي للثقافة في 1982 وحاصل علي جائزة الدولة التقديرية في الفنون من المجلس الأعلي للثقافة عام 2014. في معرض العيش والحلم يؤكد عز الدين نجيب علي خصوصيته وخصوصية رؤيته وتفرد أدواته التعبيرية اللون والمساحة الوجه والمكان والبيئة والوجود فكلها تخص عز الدين نجيب وتواصل التنافس فيما بينها لكي تنقل رسالة فارس النضال اللوني. عز الدين نجيب. وهو يقاتل الفراغ والعتمة والغياب ليسجل للحياة وللضياء والحضور. لم يكن إدهاشه لنا جديدا علينا. ولا نفاذه داخلنا غريبا. ولا حضوره في الخط واللون إلا استثنائيا بقدر استثنائيته.. لأنه ببساطة "عز الدين نجيب".