الكل يعرف ان المحامي الفرنسي جول ريميه هو صاحب فكرة اقامة وتنظيم بطولة كأس العالم المونديال التي انطلقت نسختها الأولي عام 1930 في اوروجواي ولكن من هو جول ريميه وكيف خاض الكثير من المعارك حتي ظهرت فكرته إلي النور واصبح المونديال هو اهم واقوي تظاهرة رياضية في العالم. جول ريميه الذي ولد عام 1876 في احدي القري بشرق فرنسا وتوفي عام 1956 عن عمر يناهز 83 عاما كان ابنا لرجل بقال من الطبقة الفقيرة في فرنسا ورحل والده بالاسرة إلي العاصمة الفرنسية باريس عندما كان عمر جول ريميه 11 عاما. استطاع جول ريميه ابن البقال ان يسعد الملايين والملايين في كل انحاء العالم بتلك الفكرة بطولة العالم التي يتجمع فيها كل اربع سنوات اقوي المنتخبات الوطنية المحلية للتنافس تحت شعار اللعب النظيف. ورفع جول ريميه الذي كان يتمتع بالانسانية الشديدة والمثالية في تعاملاته شعار توحيد العالم تحت راية بطولة كأس العالم لكرة القدم لاسيما بعدما رأي بعينيه ويلات الحروب حيث كان ضابطا بالجيش الفرنسي خلال فترة الحرب العالمية الاولي وحصل بعد انتهائها علي وسام الشرف برتبة قائد. تبني ابن البقال فكرة ان كرة القدم هي اللعبة الوحيدة القادرة علي تجميع الشعوب سويا وتغيير السلوك في ظل انتشارها السريع للغاية بين كل الطبقات دون استثناء في كل انحاء العالم وانها ستدعم العديد من الصفات الحميدة مثل الامانة والطاعة والتواضع والعمل الشاق من اجل تحقيق الانتصار بنزاهة. بدأ جول ريميه حكايته مع الرياضة عامة بعد انتهائه من دراسة القانون واشتغاله كمحام حيث فكر في انشاء ناد مع شقيقه يجمع كل الطبقات الفرنسية جنبا إلي جنب دون تفرقة وبالفعل انشأ ناد رد ستار وكان عمره وقتها 24 عاما فقط. وقرر جول ريميه ان تكون لعبة كرة القدم هي احدي الرياضات بالنادي في ظل شعوره ويقينه بان تلك اللعبة سوف تكون الأولي في الشعبية بالعالم كله في ظل انتشارها السريع في بلاد الانجليز وبعض البلدان الاخري. وكان المجتمع الفرنسي المحافظ في ذلك الوقت ينظر إلي كرة القدم علي انها لعبة سيئة السمعة يمارسها المهنيون ولا مكان لها في بلادهم لكن ريميه تمكن من خلال المساهمة بافكاره في تطوير اللعبة وتغيير صورتها في فرنسا ليلفت الانظار إليه بشدة ليشارك في الاجتماعات التحضيرية لانشاء وتكوين الاتحاد الدولي لكرة القدم عام 1904 وترأسه وقتها ابن بلده الصحفي الفرنسي روبير جويين. في ذلك الوقت كان يسيطر علي إدارة الرياضة الدولية ابناء الطبقة الاستقراطية فقد اعاد ايحاء دورة الالعاب الحديثة البارون الفرنسي بيير دي كوبرتان والذي كان رافضا تماما لفكرة فصل كرة القدم عن الدورة الاوليمبية لما لتلك اللعبة من شعبية كبيرة وانتشار اوسع من باقي اللعبات وكان رافضا ايضا فكرة مشاركة اللاعبين المحترفين في منافسات الاوليمبياد فقط الهواة وكان هناك سبب اخر خفي وهو ان صاحب الفكرة جول ريميه هو بالاساس ابن طبقة فقيرة. وكان من المفترض انطلاق أول مونديال في سويسرا التي وافقت علي استضافة البطولة ولكن جاءت الرياح بما لا تشتهي الانفس حيث اندلعت الحرب العالمية الأولي وانطفأت الفكرة لفترة. ولكن بعد انتهاء الحرب العالمية الاولي حمل جول ريميه علي عاتقه ضرورة التنفيذ مهما كلفه الامر خاصة بعد توليه رئاسة الاتحاد الدولي لكرة القدم عام 1921 خلفا للانجليزي دانيل بورني ثاني رؤساء دولة الفيفا الذي توفي عام 1918 واستمر ريميه علي رأس الفيفا لمدة 33 عاما وهي اطول مدة حتي الان بين كل رؤساء الاتحاد الدولي لكرة القدم. وكانت كرة القدم قد انضمت للالعاب الاوليمبية في عام 1900 واستمرت حتي عام 1912 تقام بمشاركة جمعيات واندية اهلية ولم تشارك المنتخبات الا اعتبارا من دورة انتويرب في بلجيكا عام 1920 ثم 1924 بباريس و 1928 في امستردام وفازت بهما الاوروجواي. وكانت نقطة التحول في اولمبياد باريس 1924 عندما تيقن جول ريميه ورفاقه في الاتحاد الدولي لكرة القدم بضرورة اقامة بطولة كأس العالم والانفصال عن اللجنة الاوليمبية الدولية والتخلص من تلك السطوة التي تمنع انطلاق اللعبة نحو تحقيق المزيد من النجاح ولاقي طرح الفكرة معارضة شديدة مجددا من جانب كوبرتان والاتحاد الانجليزي لكرة القدم وكل دول التاج الملكي البريطاني بداع ان بريطانيا لا يمكن ان تلتقي علي ارض ملعب واحد مع اعدائها. وفي عام 1928 انتزع ريميه القرار التاريخي من الجمعية للفيفا باقامة اول بطولة كأس عالم المونديال في عام 1930 ومنح شرف الاستضافة والتنظيم إلي اوروجواي القوي الكبري في عالم كرة القدم في ذلك الوقت فقد كانت تملك منتخبا كرويا رائعا ابهر العالم بعروضه وحصل علي لقب بطل الاوليمبياد مرتين متتاليتين 1924 و 1928. وعلي الرغم من معارضة العديد من الاتحادات الاوروبية للقرار ورفضها المشاركة رسميا بسبب طول فترة غياب اللاعبين عن الدوريات المحلية ثلاثة أشهر فترة السفر والاقامة والمشاركة حيث كان السفر إلي اوروجواي في امريكا الجنوبية بالباخرة فلم يكن هناك طيران وقتها الا أن البطولة اقيمت بمشاركة اربع دول اوروبية فقط هي فرنسا بالطبع لان رئيس الاتحاد الفرنسي هو نفسه جول ريميه وبلجيكا ورومانيا ويوغسلافيا. وحققت فكرة جول ريميه النجاح الشديد من اول بطولة رغم ان النهائي تسبب في اندلاع اعمال شغب بين جمهور طرفي المباراة اوروجواي والارجنتين ودارت عجلة المونديال وتخطت كل التحديات السياسية ببراعة مثل استضافة ايطاليا للنسخة الثانية وقت حكم موسوليني عام 1934 ووصفت تلك البطولة بانها سياسية بالدرجة الاولي كان هدفها تلميع الحكم الفاشي لموسوليني وقتها وبسببها تردد عدم منح جول ريميه جائزة نوبل للسلام التي رشح لها عام 1956 وتم حجب الجائزة وقتها. ورغم ان ريميه كان عاشقا للساحرة المستديرة التي يراها وسيلة لنشر السلام في كل دول العالم وتوحيد الشعوب ونبذ الكراهية الا انه ايضا كان يهوي الشعر والموسيقي والادب.