ذكرتنا " الأهرام " أمس الأول باليوم العالمي للشعر الموافق 21 مارس الماضي وكان من الواجب ألا يمر هذا اليوم علينا ككل الأيام. بل كان علينا أن نحتفي بشعرائنا الكبار ونقيم مهرجانا قوميا كبيرا للشعراء يلقون فيه أحدث ما أنتجت قرائحهم. فربما نستطيع إعادة الشعر إلي عرشه. ونعيد لهذا الفن العربي الأصيل مكانته عند الجمهور . كيف فات علي وزارة الثقافة بهيئاتها وإداراتها المختلفة أن تحتفي بالشعر والشعراء في هذا اليوم الجميل الذي يواكب بداية الربيع من كل عام. هناك شعوب كثيرة انتهزت الفرصة واحتفلت بيوم الشعر وجعلت له طقوسا ومهرجانات. فالشعر كالموسيقي لغة عالمية يفهمها ويتفاعل معها كل البشر لأنها لغة السحر والوجدان والحكمة. وعلي مستوي لغتنا وحضارتنا وتاريخنا الأدبي يتربع الشعر علي رأس الفنون العربية. هو فن العربية الأول بلا منازع. وبه يقاس مدي ارتقاء الأمة عقليا وثقافيا وحضاريا . وإذا كان حال الشعر العربي قد تدهور في السنوات الأخيرة لأسباب عديدة. وترك مكانه ومكانته لفنون أخري كالرواية والقصة القصيرة. إلا أن ذلك لا يعني أننا فقدنا ذائقتنا الشعرية. إذ تكفينا قصيدة واحدة جيدة. مجدولة بجماليات الشعر وعذوبته. ومعبرة عن واقعنا بعمق وصدق. لكي تعيدنا إلي الشعر الأصيل وتعيد الشعر إلينا. وتعيد إلي الشعراء اعتبارهم في أمة جبلت علي أن تطرب للشعر ولغته وأحاسيسه وموسيقاه . في زمن سابق كانت الصحف تتسابق في نشر القصائد علي صفحاتها الأولي لجمهور يقرأ ويفهم. كانت القصيدة الواحدة حدثا مهما يتنادي به باعة الصحف. عندما كانت الخطوط واصلة بين الشعراء والجمهور كان يكفي أن تنشر قصيدة لشوقي أو حافظ إبراهيم في صحيفة أو تلقي في محفل او تتغني بها أم كلثوم حتي تصير علي ألسنة الناس لأيام وأسابيع. وكان صدور ديوان جديد لنزار قباني في دمشق أو بيروت حدثا ثقافيا مهما يتردد صداه في القاهرة كما في العواصم العربية الأخري . وللحق فإن تدهور الاهتمام بالشعر لا يعود إلي تدني المستوي الثقافي العام للجمهور فحسب. وإنما يعود في الجزء الأكبر منه إلي الشعراء أنفسهم الذين دمروا النسق العربي للشعر. إما عن جهل بأدواته أو استسلام لغواية التجديد والتجريب والتخريب والتغريب أملا في أن يحمل أحدهم لقب الرائد. لكنهم لم يفلحوا في تقديم البديل الذي يقنع الذائقة العربية بصلاحيته وجاذبيته وخلوده. وهي العناصر التي تميز بها الشعر العربي علي مدي تاريخنا الطويل. من امرئ القيس إلي المتنبي وصولا إلي شوقي وحافظ وناجي ونزار وأمل دنقل وعفيفي مطر . نحن متعطشون للشعر وحرارة الشعر وجسارة الشعر ..ما أكثر الشعراء وما أقل الشعر في زماننا. لا تغضبوا يا أصدقائي. وليسامحكم الله يا من قتلتم الشعر.